الجمعة - 29 مارس 2024

عاقبة الأمر”هاجسُ” الصالحين

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


كوثر العزاوي||

إن من أشدّ مايشقُّ على الإنسان ذو الصلاح والخشية، هو أمر خاتمته ومآل عاقبته قبل نفاد مسيرة العمر المقدّرة له بعد قطع أشواط في الحياة ومحطات بين المد والجزر، والانحناء والاستقامة، وقد جاء في الدعاء{اللهم واجعل عاقبة أمري إلى خير، واختم لي بالتي هي أحسن وأحمَدُ عاقبة، وأكرمُ مصير}.
ولعل سائل يسأل: هل للإنسان يد أو دور في صنع عاقبة أمره فأن كان خيرًا فخير وان كان شرّا فشرّ؟!
نعم..فقد أكدت التفاسير والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة”عليهم السلام”أنّ للإنسان دَور وموقف من الأحداث ومايجري اثناء مسيرته الحياتية، بدليل قوله تعالى:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}الروم ٤
وأيضا ماجاءعن سيد البلغاء”عليه السلام”
{واعلم أن لكل عمل نباتًا، وكل نبات لا غنى به عن الماء، والمياه مختلفة، فما طاب سَقيُهُ، طاب غَرسُهُ، وحَلَت ثمرته، وما خَبُث سَقيهُ، خَبُث غرسُهُ، وأمَرَّت ثمرته}نهج البلاغة ص ٦٥٤
ولانريد ان ندخل في بيان فلسفة الابتلاء والعقوبة ومسألة الحكمة الإلهية من الأحداث والظواهر الحاصلة ودور الإنسان في استحصال عاقبة أمره وذلك لخروجنا عن دائرة المراد، او لأنه يحتاج الى بحث عميق وطويل لسنا بصدده، وملخّص القول بمقدار مامتَّفق عليه عقلا ومنطقا، هي هذه الكلمة التي تؤكد خلاصة المطلب بأن{النتائج حصاد المقدمات، فكلما كانت المقدمات سليمة وصحيحة كلما كانت النتائج صحيحةوناجحة}أمامانريد التأكيد عليه وهو الأهم، هو ضرورة الثبات والمحافظة على المكاسب الإيجابية المثمرة التي أنتجتها تلك المقدمات الصحيحة، وحتى هذه اامقدمات لاشك أنها وعلى طول مسيرة تجارب ومواقف لابد أنها قد تعرّضت الى الكثير من الهزاهز والعثرات حتى وصلت إلى ماوصلت اليه اليوم من سلب وإيجاب، ترى! فهل للإنسان ان يتنبّه الى ضرورة المحافظة على النتائج ومسك مساحتها التي أثمرت خيرا وصلاح؟؟ هذا ماأردنا ان نشير له من معنى”عاقبة الأمر” ودور الإنسان في صناعتها سيما الإنسان المؤمن ومن يمتلك زمام نفسه بقوة الإيمان والتقوى، غير أنّ الإيمان من دون السیطرة علی النفس،لا يُزهر ولو مرّ علی ذلك مئة عام من عمره، فإن لم يسیطر علی نفسه، لم يسیطر علی بصره، ولم يسيطر على غضبه، بل ولاعلى أهوائه وميوله، ومثلُ هذا ينطبق على كل مجالات الحياة الشخصية منها والاجتماعية والسياسية والأسريةوفي كل مفصل من مفاصل الحياة العملية،ولعل هناك مبدأ أو منطلق ينبغي التوقف عنده وقد رسمَ لنا خارطة الطريق لنحدّد الهدف السامي وفق ماوجَّهَنا مولانا سيد المتقين”عليه السلام”
في قوله:{جهاد الهوى ثمن الجنة}
وبما أن الجنة هي الغاية والعاقبة المرجوّة بعد فناء الدنيا، إذن جهاد هوى النفس هو نقطة الانطلاق لضمان إستقامة المنهج للحياة لاستحصال حسن العاقبة،لتكون حياة الفرد كلها جهاد دون غفلة واذا حصلت الغفلة فالطريق إلى اليقظة مفتوح بلطف من الله”عزوجل”وهو القائل:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}
الاعراف٢٠١
فطالما كلّ فرد في الواقع إنما هو معرّض للغفلة والعثرة فهو في جهاد مع النفس مادام في موقع مسؤولية أمام الله والناس، ولكن وفي لحظة أنانية يغفل الهدف الأسمى أو بدافع الهوى والعصبية”والعياذ بالله”لتجد مؤمنًا قد ينال من شأن قضية من القضايا المقدسة مثلا، كمن ذاك الذي يسيء متنمّرا على أبناء جلدته وشركائه في المعتقد، متعرّضًا لرموز بلاده وجيرانه ومَن هم في النصح والاعتدال والغيرة بمكان،ليمنح نفسه حق التخبط في الصدارة كما يمنح عدوّه فرصة الانشراح والشماتة، فضلًا عن استغلال الثغرة التي من الممكن جدا اختراق العدو للمقدسات ومصادرة الحريات والخيرات فضلا عن العبث بعقول عوام الناس ليكون هو السبب في انهيار أمة قد حباها الله بالاسلام والعزة!! ومثل هذه العاقبة وغيرها الكثير تعدّ انتكاسة في تاريخ ذلك الشخص او تلك الجماعة او أولئك القوم، فأي عاقبة أسوء من الخيانة والغدر!! وبالتالي ينبغي على المؤمن توخي الحذر من ختام مسيرته بزلةٍ لاتغتفر،فأنه لاخير فيما لاعاقبة له.
ومن أحسنَ وأصلحَ سريرته وجاهد هواه، حَسُنت عاقبته، والعاقبة للتقوى.

١رمضان ١٤٤٣هج
٣-٤-٢٠٢٢م