الخميس - 28 مارس 2024

سقوط بغداد..أم سقوط الصنم؟!

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


يونس الكعبي ||

يمثل يوم التاسع من نيسان عام 2003 حدثاً مفصلياً و مهماً في تاريخ العراق.و كل ينظر الى هذا اليوم من منظاره الخاص ، فالبعض يرى في هذا اليوم عيداً للخلاص من نظام دموي و دكتاتوري جثم على أرض العراق ، و البعض الاخر يراه نهاية فترته الذهبية ممن كان مستفيداً بشكل أو بآخر من النظام السابق. و البعض متألم الى ما آل اليه بلده من خراب ودمار على يد القوات الغازية ، وبغض النظر عن كل الاراء ، يمثل هذا اليوم يوماً أسود في تاريخ العراق و بسبب السياسات الخاطئة لنظام حزب البعث و عدم معرفة سياسة المتغيرات والالمام بها آلتي تحدث في العالم ، ادى كل ذلك الى غزو العراق و تقديم الذرائع الى المحتل الاميركي ليدوس بدباباته كل ما يمكن أن تناله ماكنته الحربية في واحدة من أبشع الحروب التي شنت في العصر الحديث.
القوات الاميركية و من تحالف معها لم تكن تقاتل الجيش العراقي و انما تصرفت كونها آلة تدمير ممنهج للشعب و كل مقدراته ، فلم تترك مكاناً في العراق لم تدمره هذه الماكنة الحربية وكأنها قررت أن تجعل العراق خارج الحضارة الحديثة و ما عجزت عنه الماكنة الحربية أكملته الأيادي الخبيثة و من ساعدها في سلب و نهب كل مقدرات الدولة العراقية تاركةً العراق بلداً مخرباً و مجرداً من كل شيء و فوضى عارمة في كل مكان ، و لاوجود الا لقوات الاحتلال و مصير مجهول و شعب مشرد و بنادق الأميركان تهين الكبير و الصغير في كل مكان في العراق.
في هذا اليوم فقدنا الهوية الوطنية و اصبحنا نبحث عن مكوناتنا و تناسينا أننا شعب يمتد في حضارته الى آلاف السنين ، و اصبحنا نبحث عن عناوين صغيرة ، و بدلاً من ان نواجه المحتل صوبنا بنادقنا لبعضنا البعض لندخل واحدة من أسوء فترات العراق المظلمة و هي صفحة الحرب الطائفية و القتل على الهوية ، و ساعدت على ذلك الفتاوى الوهابية التي وجدت ظالتها تحت الاحتلال الأمريكي و مسوغات وجود هذا الاحتلال ، لتقوم بنفث سمومها ضد أبناء الطائفة الشيعية و باقي الطوائف التي لا تتفق معهم بأفكارهم الهدامة.
أن تسمية هذا اليوم بسقوط بغداد قد يكون واهماً لأن بغداد كمدينة لا تسقط ، فهي شامخة برموزها و معالمها و جوامعها و ازقتها التي تحمل عبق التاريخ ، ويكفي أسم بغداد لتعود الى الذاكرة صور الحضارة و القيم والمثل. و لكن ما حدث هوسقوط الصنم الذي كان رمزا للنظام الجاثم على أرض بغداد و حول بغداد الى ثكنة عسكرية ضاعت فيها معالمها وملامحها الأصيلة.
ما أراده هذا النظام المسخ هو تحويل الهوية الأصيلة لبغداد الى مرتع للأفكار البعثية واماكن للفساد و اللهو بعيداً عن الثقافة و الاصالة و الفكر و الأبداع ، وتحولت ساحات بغداد الى تماثيل و جداريات تمجد الصنم بدلاً من أن تمثل هذه النصب تاريخ العراق وحضارته واصبح الصنم هو الابداع الفني الوحيد الذي ملأ شوارع و مساحات بغداد
ما يهم في هذا التاريخ هو ازالة هذا التاريخ المشوه عن وجه بغداد رغم ان هذا التغيير حدث بالآلة العسكرية الاجنبية ، لأن الشعب لم يكن يملك الخيار و اختار هذا الطريق بعد ان فقد الأمل في التغيير و أستنشاق هواء الحرية.
لنجعل من هذا اليوم عبرة لمن يعتبر و ان التاريخ لا يرحم الطغاة و ان الاصالة تبقى في رموز شامخة لا تتغير مع تغير الزمان.