الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


عبدالملك سام ||

منذ متى أعرف عباس ؟ منذ أن كنا صغارا نلعب في طرقات الحي .. طبعا الحديث هنا ليس من باب إجترار الذكريات ، وأعرف أن هناك من سيقول لي غاضبا وما شأني بك أنت وصديقك عباس ؟! لحظة لو سمحت لي يا عزيزي ، الموضوع خطر لي عندما أستمعت لمحاضرة السيد القائد عن الصبر ، فلنحاول أن نكون صبورين هنا ..
أنا وعباس تفرقنا مع الأيام وإنشغالنا بالحياة ، ولم يكن يخطر ببالي أن العدوان سيجمعنا .. جاء عباس في وقت كنت فيه أبحث عمن يعينني ، ففي بداية العدوان كان العمل الإعلامي مرهقا جدا ، وكنا نقضي ساعات طوال في العمل في ظل شحة الإمكانيات شبه المعدومة ، وكان من الصعوبة بمكان لدرجة أننا كنا أشبه بالخفافيش نسهر الليل حتى وقت متأخر في الإعداد والنشر والمتابعة ، وبفضل الله واجهنا الأعداء وهزمناهم رغم ما يمتلكونه من إمكانيات رهيبة بما يشبه المعجزة .
جاء عباس – المبتسم دوما – في طريقي ، وكان ما يزال يعاني من كدمات وتعب بعد عودته من إحدى الدورات القتالية ، وكانت حالته يرثى لها فجسمه النحيل الذي يشبه جسم (أنوبيس) – إله الدفن عند الفراعنة – جعل من الصعب عليه أن يصمد في أي جبهة قتال ، هكذا أخبروه هناك ، وهكذا قالوا له هنا . ولكن عباس لديه إحساس بالمسئولية ، وضميره حي ، لذلك كان من المستحيل أن يكتفي بمشاهدة ما يحدث لوطنه وشعبه ولا يفعل شيئا .. كان يبحث عن موطئ قدم ليتحرك ، وفعلا عملنا معا منذ ذلك الحين .
عباس ليس لديه وظيفة ، وكان إرثه من أبيه أن تحمل مسؤولية جماعة من النساء ، وهو مثل معظم اليمنيين يبدأ يومه بالبحث عن الخبز والماء ، ويقف في طوابير الغاز ، وفي جيبه حفنة من الفواتير المستحقة الدفع ! وقد جعل العدوان والحصار مهمته تشبه إحدى الأساطير الأغريقية . ولكن عباس ظل واقفا رغم كل ما يحدث له ، بل والمعاناة جعلته أكثر إصرارا وصبرا وتحملا للمسئولية . صبر في الوقت الذي لم يتحمل غيره كل هذه الصعاب ، وحتى أنا كنت – وما زلت – أستمد منه الصبر إذا ما شعرت بالتعب .
رفاقنا القدامى البعض منهم أصبح عملهم رسمي يتقاضون منه حاجتهم ، وهؤلاء غالبا ما عادوا يردون على إتصالاتنا ! والبعض الآخر ترك العمل الجهادي بحثا عن لقمة العيش .. أما عباس فلم يتغير ، ولم يفتر صبره رغم كل الظروف ، وكأنه حجر ألماس يزداد لمعانا كلما أحاط به الفحم .. أحيانا كانت الظروف تزداد صعوبة فأتوقع منه أن ينهار ، وكنت أحمل له العذر في ذلك ، ولكنه لم يفعل ! لم يتوقف ولو يوما واحدا حتى عندما يقعده المرض . بل وكان يقول لي أنه يشعر بالتقصير وهو يرى الأبطال وما يسطرونه من بطولات في جبهات القتال ! وفي داخلي كنت أزداد إعجابا بحجر الألماس هذا ..
ما أريد قوله هو أن لدينا ألآف من عباس في بلدنا ، وبهؤلاء الذين يعيشون الصبر في أعظم صوره سننتصر .. وأقسم لكم أننا سننتصر ؛ فصبرنا لن يضيع سدى طالما نحن نتحرك ونصبر ، وطالما عدونا يراهن على نفاذ صبرنا بما يفعله بنا . نحن محظوظون بصبرنا ووعينا لأننا بهذا صرنا مع الله الذي يحب الصابرين ، وأنا محظوظ بأن لي رفاقا كعباس الذي جعلني أدمن الصبر مثله حتى يفرجها الله .. فأصبروا وصابروا ، وأجعلوا من صبركم ذخرا بغير حساب وبدون شروط ، فالغد أجمل بإذن الله ، وألا يكفينا أن الله يقول (وبشر الصابرين) ؟!
ـــــــــــ