الخميس - 28 مارس 2024

وزارة الاستخبارات…ضرورة إستراتيجية

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د. سيف الدين زمان الدراجي *||

* باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي .

” المشكلة أننا لا نعرف ماذا لا نعرف “
*سقراط*

حددت العديد من الدول بعض مواطن الضعف في عمل اجهزتها الاستخبارية لا سيما تلك الدول التي شخصت اخفاقات اجهزتها الاستخبارية بعد أن تعرضت لأحداث أمنية كبيرة أثرت بشكل كبير على استقرارها الداخلي و انعكست سلباً على مصالحها ومرتكزات أمنها القومي.
إن مهام العمل الاستخباري تتمثل بثلاث نقاط اساسية هي جمع وتحليل المعلومات، حماية الاسرار الحكومية و رد أجهزة الاستخبارات المعادية (التجسس المضاد)، والسعي لحماية مصالح البلد في الأراضي الأجنبية من خلال استخدام الدعاية و الأنشطة السياسية والاضطراب الاقتصادي و العمليات شبه العسكرية، لذا فإن الدائرة الاستخبارية ترتكز على ثلاثة عوامل رئيسية هي الجمع والتحليل والنشر.
تعد الاستخبارات واحدة من عناصر القوة الوطنية الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية و المعلوماتية والتي على ضوئها يمكن للدول أن تضع استراتيجياتها و سياساتها بالشكل ‏الذي يضمن تحقيق أهدافها في الاستقرار والأمن و الرفاهية لشعوبها.
تشهد بعض الدول لا سيما تلك التي لديها أجهزة استخبارات متعددة تداخلاً كبيرا في ساحات العمل، كما أن السعي من قبل هذه الأجهزة إلى أن تكون الأقرب لرئيس السلطة التنفيذية، فضلا عن التنافس في ما بينها لتحقيق الفضل وإظهار القدرة والتفوق على الأجهزة الأخرى – والذي عادة ما يكون تنافسا سلبياً يمنع من الحصول على المعلومة بشكل كامل خصوصاً إذا كانت بعض أطراف او أجزاء هذه المعلومات مشتركة بين اكثر من جهاز – بالإضافة إلى وجود ‏حالة من عدم الثقة المتبادلة بين الاجهزة والمستلم النهائي، يشكل خطراً كبيراً ويسبب اخفاقات كثيرة يمكن تلافيها في حال وجود مظلة تجمع كل هذه الاجهزة وتعمل على فك الاشتباك والتنسيق فيما بينها.
ان فشل الأجهزة الاستخبارية المتعددة جراء تشابك المهام وضعف التنسيق يؤدي إلى استنزاف قدراتها أثناء عمليات الاستخبار عن كل شيء، حيث تشير الدراسات إلى أن أحداثاً كبيرة حصلت في مناسبات عدة أشرت فشلاً واضحاً في إدارة و أداء الاجهزة الاستخبارية نتيجة لعدم التنسيق وتشابك المهام، كأحداث الحادي عشر من سبتمبر وانهيار الاتحاد السوفيتي وكذلك حرب تشرين أكتوبر 1973.
إذن على الدول أن تتعلم من أخطائها و أخطاء الدول الأخرى، لا سيما من قبل صانعي السياسات ومتخذي القرارات في الدول حديثة العهد بالديمقراطية، وذلك من خلال دراسة أخطاء الآخرين، و التي ستكون مفتاحاً لتلافي تكرار هذه الأخطاء التي قد تنهك الدولة وتقوض نظامها السياسي وتهدد أمنها المجتمعي.
يطالب صانعي السياسات بعمل استخباري جيد لأنهم بحاجة إليه، لكنهم في العادة لا يحبذون ما قد يكون خلاف ما يريدونه. حيث يميل صانعوا السياسات إلى العمل الاستخباري الذي يخرج لهم بمخرجات تدعم سياساتهم، في حين لابد أن تكون سياساتهم مبنية على ما تضعه الاجهزة الاستخبارية بين ايديهم من معلومات وتحليلات واحياناً مقترحات وفق ما توصلوا اليه لمواجهة التحديات. من هنا يتضح ‏لنا السبب الرئيسي لسعي بعض الاجهزة الى ان تكون قريبة من رئيس السلطة التنفيذية باعتبارها السلطة الأعلى و أحد أهم مراكز صنع السياسات واتخاذ القرارات، الا انه ليس من المعقول الدفع باتجاه استمرار الخلاف بين صانعي السياسات من جهة والأجهزة الاستخبارية من جهة أخرى – لا سيما تلك التي تضع جهودها و ما إستحصلت عليه من معلومات وتحليلات مهنية بعيداً عن سياسات الإرضاء والمحاباة – كما أنه ليس من المعقول أيضا أن يطلع رئيس السلطة التنفيذية العليا على تقارير مطولة من قبل مختلف الاجهزة الاستخبارية، لذا لابد من أن يكون هناك تقرير‏موجز يضع عصارة ما توصلت إليه الاجهزة الاستخبارية كافة بين يدي رئيس السلطة التنفيذية على المستوى العملياتي والاستراتيجي، على أن لا يتجاوز ذلك ثلاث صفحات، بعد أن يمر بجهاز تنسيق وتحليل وتقييم وإخراج ينظم ما توصلت إليه الاجهزة الاستخبارية كافة ويضع مقترحات الحلول بين يدي متخذ القرار الأول، وهذا الجهاز هو “وزارة الاستخبارات” . قد يعتقد البعض أن وجود وزارة للاستخبارات يعني دفع مبالغ مالية إضافية وميزانية ضخمة، إلى أن إجابتي على ذلك هو أن يتم تنسيب عدد من العاملين والموظفين الحكوميين من المدنيين والعسكريين من الشخصيات الكفوءة والمخلصة للعمل في هذه الوزارة على أن يكون برئاسة شخصية مهنية لها خبرة عملية و أكاديمية في العمل الاستخباري و العلاقات الخارجية، مع توفير ميزانية مناسبة وبسيطة من ميزانية الأمن والدفاع للقيام بالمهام والواجبات.
سياسيا قد تواجه “وزارة الاستخبارات” عقبات تتمثل بمخاوف بعض الأطراف السياسية أو الاجتماعية بأن تكون هذه الوزارة أداة بيد السلطة أو الحزب الحاكم لضرب الخصوم والمعارضين، وإجابتي ستكون هذه المرة – بأنه على الرغم من الدور غير التنفيذي لوزارة الاستخبارات التي ستكون جهة تنسيق و تحليل وتقييم وإخراج تنظم العمل الاستخباري فقط ، ولا تتقاطع مع مهام الاجهزة الاستخبارية الأخرى التي ستضطلع كل منها بمهامها وواجباتتها السرية والعلنية وفق القوانين والتعليمات والتشريعات النافذة – فإنها ستخضع للرقابة والمحاسبة من قبل السلطة التشريعية.
ان وجود وزارة الاستخبارات ضرورة استراتيجية، لا سيما في مجال الاستخبارات الاستراتيجية التي توفر المعلومات اللازمة لصياغة السياسات والخطط على المستويين الوطني والدولي، والذي فرضته ظروف وتعقيدات المشهد الداخلي والدولي والإقليمي، وهو ما إستشعرت أهميته دول أخرى مع اختلاف التسميات كما في الولايات المتحدة مكتب مدير الاستخبارات الوطني DNI ، ومنظمة الاستخبارات البريطانية JIO، ورئاسة الاستخبارات العامة في السعودية، و وزارة الاستخبارات الإيرانية وغيرها. لذا وجود هذه الوزارة سيدعم مصالح الدولة بشكل عام و يعزز اطر التنسيق بين مختلف الاجهزة الاستخبارية ويؤسس لتعاون مشترك مع الدول الصديقة لمواجهة المخاطر والتهديدات في سبيل تحقيق الاهداف المرجوة لدعم المصالح المشتركة.
ـــــــــ