الخميس - 28 مارس 2024

ليلة القدر ليلة عيد الميلاد..!

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


طالب الأحمد ||

اعتقد – والله أعلم – أن لكل إنسان ليلة قدره..وأن فلسفة ليلة القدر تكمن في مراجعة الإنسان لذاته ولمسيرة حياته الماضية ما أن تحلّ العشرة الأخيرة من شهر رضمان المبارك التي تُرتجى فيها ليلة القدر..فيسأل نفسه عن ما حققه منذ شهر رمضان الماضي وحتى شهر رمضان الحاضر، وأقصد بذلك أن يقوم بجردة حساب للأعمال التي قرّبته من الله تعالى، وتلك التي – لا سمح الله – أبعدته عن رضا الله وعطلّت رحلته في الكدح إلى الله تعالى. وفي كل الأحوال يتوجب على الإنسان أن يجعل من ليلة القدر ليلة “عيد ميلاده” إذا جاز التعبير، فيُصمّم على أن يجدّد حياته الإيمانية بالتصميم على المضي قدما في السعي لنيل رضا الله تعالى بالعبادة وطلب العلم وبالعمل الصالح، وتلك هي -في تقديري- ثلاثية الحياة الإيمانية في الدنيا..العبادة والعلم والعمل.
لم يقل الله تعالى أن ليلة القدر كانت خيراً من ألف شهر.. وإنما هي “خيرٌ من ألف شهر” بإستمرار، ليمنح الإنسان الفرصة تلو الأخرى للتجدد والتكامل حتى بلوغ غاية الغايات وهي نيل رضوان الله تعالى. ولذلك لايكفي الدعاء وحده في ليلة القدر رغم أنه “مخ العبادة” كما ورد في الأثر الشريف، ولاتكفي الأعمال التعبدية لوحدها رغم أهميتها القصوى في تزكية نفس الإنسان، بل ينبغي أيضاً أن تنعقد العزيمة في قلب الإنسان المؤمن على جعل أعمال ليلة القدر منطلقا لعزيمة أكبر على السعي عمليا لنيل رضا الله تعالى حتى شهر رمضان، وهكذا تتحول ليلة القدر إلى منهاج وتبصرة مستدامة ومشكاة نورانية ترافقنا في حياتنا اليومية طيلة السنة إذا قدّر الله تعالى لنا البقاء على قيد الحياة لشهر رمضان القادم، وهذا ما يدعوني لتسميتها بليلة عيد ميلاد القلب المؤمن.
قد يكون تحقيق ذلك أمراً صعباً، فالإنسان ينسى ويحتاج إلى التذكرة من حين إلى آخر، وهنا يأتي دور الصلوات الخمس والشعائر والمواسم العبادية وزيارات الأئمة والشهداء لكي نبقى في حالة استنفار إيماني وتذكرة دائمة لكيلا ننسى ما عقدنا عليه العزم في ليلة القدر المباركة.
إذن هي ليلة المراجعة للذات، ليلة مناجاة الله تعالى بقلب صادق، ليلة التجدّد بحُسن التوكل على الله تعالى في الأمور كلها، ليلة تجلي الحق في القلب الذي هو حرم الله تعالى..وبذلك تكون حقا – بالنسبة لنا- خيرٌ من ألف شهر ومن الشهور كلها فليس هناك ما أهو أفضل وأبهى وأجمل من الإحساس بالقرب من الله تعالى..ذلك الإحساس الذي يجعل القلب يغتسل من كل أدرانه وأطماعه فتبدو الحياة كلها كأنها جنان سرمدية وفجرٌ بهيّ لا غروب له.
في ليلة القدر بوسعنا أن نفهم معنى الخلود الذي وعدنا به الله تعالى..وأن نفهم فلسفة الموت والبعث الجديد، وهذا ما يتطلب منا المزيد من التأمل في ليلة القدر المباركة بعظمة خلق الله والتفكّر وتدبّر آياته جلّ وعلا في أنفسنا وفي الآفاق، وكذلك التدبّر في آيات كتابه الكريم.
وأحسب أن ما ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام من أن أفضل الأعمال في ليلة القدر هي “طلب العلم” تندرج في هذا السياق.
نحتاج إذن إلى العلم الذي يقربنا من الله تعالى..وكل علم يمكن أن يكون كذلك متى ما كان في خدمة الإسلام والبشرية، ويكفي أن نعقد العزم على ذلك مهما كانت صعاب وتحديات الواقع.
هذه الأفكار دونتها بلا تصميم أو تخطيط مسبق، فهي خطرت في قلبي في هذه الليلة المباركة من شهر رمضان الكريم ورأيت من المناسب أن أعرضها لأحبتي لعلنا نكون من الذين يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر .. والله تعالى من وراء القصد أولا وآخراً.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لنيل هداياه وعطاياه السنية في ليلة القدر المباركة..دعواتي الخالصة لكم جميعاً أحبتي، وأسألكم الدعاء.
ــــــ