الجمعة - 29 مارس 2024

تداعيات قرار الإقليم بتصدير الغاز لأوربا

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


د بلال الخليفة ||

مقدمة
قبل أيام وفي زيارة رئيس سلطة إقليم كردستان العراق الى بريطانيا حيث صرح باستعداد الإقليم من تصدير الغاز الى اوربا ليكون بديل عن الغاز الروسي، الموضوع فيه عدة جنبات لنأتي على مناقشتها.
1 – تداعيات القرار على العراق
أ – من الناحية الدستورية والقانونية
أولا: دستوريا
ان الحقول التي تحتوي على غاز هو حقل خورمور الغازي والذي يقع في محافظة كركوك، والذي كانت شركة نفط الشمال هي من تديره، تم الاستيلاء عليه من قبل الاكراد بعد عام 2006، وللعلم يتم التعكز من قبل سلطة الإقليم على (المادة (112): اولاً: ـ تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية…) وبالتحديد على كلمة الحالية أي قبل عام 2005 وهي سنة التصويت على الدستور واعتباره نافذ.
هذا الموضوع تم مناقشته في العديد من المقالات لكن هنا لو فرضنا تنزلا اننا اتفقنا مع ما يفسره قادة الإقليم للدستور حول النفط والغاز، فانه هنا لا يستطيع الاكراد ان يبرروا سيطرتهم على عدة حقول مهمه جدا جدا وهي خورمور وخورمالا لان تلك الحقول هي قديمة جدا وحسب الدستور فان ادارتها تقع من مسؤولية الحكومة المركزية وبشكل تام.
ثانيا: قانونيا
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها في الدعوى (59/ اتحادية /2022) وموحدتها ( 110/اتحادية / 2019) بتاريخ 15 /2 /2022 والذي يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 والغائه لمخالفته احكام المواد (110و111و112و115و121/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 مع عدة فقرات حكمية ملزمة يتوجب على وزارة النفط الاتحادية وسلطات الاقليم اتباعها تنفيذاً لهذا القرار، مع توجيه المدعي العام (اضافة لوظيفته ) بمتابعه بطلان التعاقدات النفطية التي ابرمتها حكومة الإقليم، وبالتالي كان المفروض من الحكومة الاتحادية رفع يد الإقليم عن كل المواقع النفطية الواقعة في الإقليم والأخرى التي تقع خارج الإقليم لكن الاكراد مسيطرين عليه وعلى سبيل المثال قبة خورمالا وحقل خورمور.
وبالتالي ان قرار الإقليم الحالي بتصدير الغاز لاوربا هو تحدي للدستور وللمحكمة الاتحادية العليا وللحكومة وللعراق بصورة عامة ولأهل الجنوب بصورة خاصة.
ب – من الناحية الاقتصادية
ان العراق يعاني من ازمة كبيرة في الطاقة الكهربائية وتكاد ان تكون نسبة النقص في امداد الطاقة الكهربائية في أيام الذروة في الصيف الى الثلث، حيث ان احد اهم الأسباب في تلك المشكلة هي النقص الحاصل في الغاز المجهز لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، ولهذا السبب اتجه العراق لاستيراد الغاز من الجمهورية الإسلامية، لكن الغريب ان العراق يغض الطرف عن استيلاء الاكراد على حقل غازي مهم وهو خورمور والذي تعاقد الكرد مع شركة إماراتية وهي دانه غاز والهلال الخصيب بعقد نوع المشاركة دون علم الحكومة والاغرب من ذلك ان الإقليم لا يبيع الغاز للعراق بل يريد اتن يوصل انابيب غاز الى تركيا ومن ثم الى اوربا لبيع الغاز، والادهى بعد قرار المحكمة الاتحادية.
ان القرار هو سرقة لأهل الجنوب والحكومة الاتحادية، وينبغي التحرك لوقف هذه المهزلة بالسرعة الممكنة. ان استيراد الغاز من الخارج يكلف العراق بحدود 3 مليار دولار سنويا وهذا يعني ان السبب في خسارة هذا المبلغ هو الإقليم.
اما من جانب ثاني ان بيع ذلك الغاز وإدخال موارده لأشخاص معينين ولحزب معين يعني خسارة العراق أكثر من مليارين سنويا بالتالي ان القرار يخسر العراق أكثر من خمسة الى سته مليار دولار سنويا.
بالمختصر هو نزيف للمال العام في العراق واستنزاف موارده الطبيعية وبالتالي يكون انعكاس ذلك القرار على الموازنة العامة التي هي قوت المواطن البسيط.
ج – من الناحية السياسية
هذا الجانب هو الأخطر وفيه عدة معاني منها:
1- يعني التعجيل بانفصال الإقليم
2 – التصرف بشكل مستقل وبعيد عن الحكومة الاتحادية وكان الإقليم دولة مستقلة
3 – هذا يعني ان الإقليم وضع نفسه كدولة مستقلة وهو يتحرك لان يكون عضو في الدول المنتجة للغاز
4 – هذه الخطوة هي من جانب تقوي بعض الزعامات السياسية على حساب زعامات أخرى.
2 – تداعيات القرار على دول الجوار
الشعب الكردي يقع في أربع دول منها تركيا والعراق وسوريا، وان أي فعل لاحد هؤلاء المكونات فانه ينعكس سلبا او إيجابا على المكونات الأخرى في الدول المجاورة، وبالتالي ان هذه الخطوة سيكون لها رد فعل من الدول التي لديها مكون كردي.
أ – على تركيا
شكل كرد تركيا 56% من مجموع الكرد في العالم. وعددهم 30,016,000 نسمة (20% من مجموع سكان تركيا). يعيش معظمهم في الجنوب الشرقي لتركيا. ولديها مشاكل كبيرة مع المكون الكردي خصوصا قبل اعتقال الزعيم الكردي الثائر عبد الله اوجلان، وتستمر المصادمات الي يومنا الحالي حيث للأتراك عمليات عسكرية داخل الحدود العراقية ضد حزب العمال الكردي.
اما موقف الاتراك من هذا القرار فيمكن ان ينقسم الى جزئين:
الأول: ان المشروع سيحرج الاتراك من حليفتها الأولى في المنطقة وهي قطر، وسناتي على شرحه لاحقا.
الثاني: انها مع هذا القرار خصوصا ان أنبوب الغاز سيكون عبر الأراضي التركية والذي سيفيد الاتراك بالتالي: –
أ – سيرفد الموازنة التركية بمردود مالي ترانزيت الغاز بأراضيها.
ب – بالإضافة الى زيادة مكانتها السياسية لأنها ستملك ورقة ضغط على اوربا والاكراد بتحكمها بمصير الانبوب وامداد الطاقة.
كما يعلم الجميع ان للسلطة في الإقليم شراكات طويلة الأمد مع تركيا في مجال النفط والطاقة وبالتالي يعتبر هذا القرار هو مكمل للاتفاقات الأخرى التي هي خارج علم الحكومة في بغداد وخارج صلاحيات سلطة الإقليم.
ب – على إيران
يشكل كرد إيران 16% من مجموع الكرد في العالم. عددهم 4,398,000 نسمة (حوالي 6% من مجموع سكان إيران). ان إيران الدولة الثانية عالميا باحتياط الغاز والثالثة في احتياط النفط، وان خطوة الإقليم هي منافسة لإيران بالإضافة الى تهديد امنها القومي بان الإقليم لدية معاملات في مجال النفط والغاز مع إسرائيل وهذا لا تسمح به الجمهورية الإسلامية.
ج – على قطر
أن روسيا توفر قرابة 40% من واردات أوروبا من الغاز، ففي 9 أشهر من عام 2021، قدمت شركة “غازبروم” الروسية 51% من الغاز الذي استوردته أوروبا… بالنسبة لأوروبا، ستكون هذه كارثة اقتصادية.
ان صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية باستثناء تركيا وصربيا بلغت في 2020 قرابة 157 مليار متر مكعب، وأبرز الدول الأوروبية المستوردة كانت دول أوروبا الغربية.
أما الدول صاحبة الحصة الأكبر في سوق صادرات الغاز المسال، فقد حلت قطر في المرتبة الثانية بعد روسيا على مستوى العالم بحصة قدرت بـ77.4 مليون طن، بعد أن ظلت لعدة سنوات تحتل المرتبة الأولى لصادرات الغاز المسال على مستوى العالم.
حيث أن صادرات قطر ككل بلغت في العام 2020 نحو 128 مليار متر مكعب من الغاز، بما في ذلك 21.8 صادرات عبر الأنابيب و106.1 صادرات غاز طبيعي مسال
وبالتالي ان القرار الكردي هو ظهور منافس جديد امام قطر في الأسواق الاوربية وللعلم ان معظم الغاز القطري هو يتم تصديره لاوربا.
3 – تداعيات القرار على العالم
أ – تداعيات القرار على الازمة الأوكرانية
بينا أعلاه ان اوربا تعتمد وبنسبة كبيرة على الغاز الروسي وبنسبة اكبر من 41 % من طاقتها، وان ما يجري الان هو حرب شبه عالمية بين روسيا ومحور الشرق (مؤتمر شانغهاي) وبين الدول الغربية وحلف الناتو، وان احد اهم أدوات الحرب التي يستخدما الروس والمحور الشرقي هو الغاز وخصوصا ان الرئيس الروسي بوتين قرر ان تكون المعاملات التي تخص الغاز هي بالعملة الروسية الروبل وما نتج عنه بزيادة قيمة الروبل بما يقابله من العملات الأخرى، وبالتالي ان قرار السلطة في الإقليم بتزويد اوربا بالغاز يعد اصطفاف مع المحور الأمريكي ضد روسيا وهو بمثابة اعلان الحرب ضدها وهذا لا ترضاه أبدا روسيا وحتما سيكون لها قرارات ونشاطات للحيلولة دون ذلك وقد يصل الامر الى العمل لإنهاء السلطة الكردية التي مضت بهذا القرار.
ب – تداعيات القرار على أسواق الطاقة العالمية
ان القرار الكردي سينقسم قسمين في سوق الطاقة وهما: –
أ – على المنتجين
ان المنتجين للغاز كروسيا وقطر وإيران والجزائر سيتضررون من هذا القرار وبالتالي ان العرض على الفاز سيزداد وبالتالي سيقل سعر الغاز وهذا يعني تهديد لاقتصاد الدول المنتجة للغاز.
ب – على المستهلكين
اما بالنسبة لدول التي هي مستهلكة للغاز وخصوصا اوربا سيكون القرار هو طوق نجاة لها لان القرار سيزيل طوق روسيا عن رقاب الدول الاوربية.
4 – النتائج والتوصيات
1 – ان هذا القرار سيصب في تقوية السلطة الكردية سياسيا واقتصاديا وبالتالي ستدخل حتما في مصير الاكراد في الدول المجاورة وبالتالي هذه الخطوة هي تشكل خطر على امن الدول المجاورة.
2 – ان هذا القرار سيكون أعداء كبار اقليميين ودوليين ضد الإقليم لأنه سيكون منافس اقتصادي وأمني لهم.
3 – ليس من حق الإقليم ان يستغل حقل خورمور الغاز لأنه: –
أ – يقع خارج محافظات الإقليم
ب – لأنه من الحقول القديم (حاليا) وحسب تعبير الدستور أي حسب الماد ة 112 يجب ان تدار من قبل الحكومة المركزية
ج – إدارة الحقل من قبل الإقليم هو مخالف للدستور
د – مخالف لقرار المحكمة الاتحادية
4 – ان القرار سيحرج الحكومة المركزية، امام: –
أ – الشعب من أبناء الجنوب
ب – الحكومة امام الدول التي سوف تتضرر من هذا القرار
ج – سيحرج الحكومة اما المحكمة الاتحادية

اما التوصيات
ان تأخذ الحكومة والأحزاب الحاكمة دورها الجدي في تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون النفط والغاز لإقليم كردستان وما نتج عنه من تعاقدات نفطية.
ــــــــــ