الخميس - 28 مارس 2024

عندما تكون جرائم الاغتيالات سياسة وليس أرهاب .

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د. جواد الهنداوي *||

*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات بروكسل / في ٢٠٢٢/٥/١٣ .

استهداف شهيدة فلسطين و الكلمة شيرين ابو عاقلة ، برصاص قنّاصة جيش الاحتلال الاسرائيلي ، واحده من جرائم الاغتيال التي اعتادت على ممارستها وتنفيذها الحكومات المتعاقبة للكيان المحتل .
جرائم الاغتيالات هو مشترك آخر يجمع الكيان المحتل بأمريكا ، وكلاهما ( اسرائيل و امريكا ) يتبنون جرائم الاغتيالات بأعتبارها ” سياسة ” مشروعة !
عند مطالعتنا للصحف الاسرائيلية ، وسماعنا لتصريحات السياسيين الاسرائيليين و آراء المُحلّلين ، لاسيما ،في هذه الايام ، وخاصة بعد العمليات الاستشهادية التي نفذّها الفلسطينيون ، نجدهم يستخدمون مفردة ” ضرورة العودة الى سياسة الاغتيالات ” ، وضرورة اغتيال القائد الحمساوي يحيى السنوار ، او ” بانتظار اتخاذ القرار السياسي بتصفيّة يحيى السنوار ” .
اعتادت اسرائيل على تطبيق ” سياسة الاغتيالات ” ليس فقط في تصفية مقاتلي و مسلحي المقاومة الفلسطينية و الاسلامية ،و انما ايضاً سياسي و مفكري المقاومة ، وكذلك الصحفيين و المراسلين الفلسطينين و العرب ،وحتى الاجانب ،الذين يتولون كشف الحقائق و تغطية الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني المحتل . نذكّر بعضاً من شواهد هذه الجرائم على سبيل المثال وليس الحصر : قبل ( نصف قرن ) اغتالت اسرائيل الكاتب و المفكّر الفلسطيني غسان كنفاني في اطراف بيروت ؛ في عام ٢٠٠٩ اغتالت اسرائيل ٤ صحفيين ،منهم علاء حماد و ايهاب جمال و باسل ابراهيم ، وعمر عبد الحافظ ؛ وفي عام ٢٠١٢ اغتالت اسرائيل ٣ صحفيين ،منهم محمد موسى و محمود علي ، و حسام محمد ؛ وفي عام ٢٠١٤ اغتالت اسرائيل ١٧ صحفيا. ،من بينهم الصحفي الايطالي سيمونه كامللي …
و القائمة تطول ( انظر في ذلك مقال عن قيام اسرائيل بقتل الصحفيين و الاعلاميين ،مقال للكاتب صالح المصري ، منشور في مجلة استراتيجيات ).
مثلما اعتادت و تمادت اسرائيل في ممارسة ” سياسة الاغتيالات ” وما هي الاّ جرائم حرب و ارهاب ، اعتاد العالم ” المتحضّر و المتمسك بحقوق الانسان ” على ممارسة الصمت او الاكتفاء بالادانة ، او الشعور بالقلق …
لم يراودْ الامم المتحدة او مجلس الامن او امريكا فكرة معاقبة او محاسبة اسرائيل او اخضاعها الى بنود الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة او وضعها في قائمة الارهاب او فرض عقوبات سياسيّة او اقتصادية على بعض من المسؤولين العسكريين الذي ارتكبوا ، و لا يزالون ، جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني و بحق شعوب المنطقة .
لا بلْ ،حظيت اسرائيل بتغطيّة وبحماية سياسيّة من امريكا ومن دول اوربية ، وبدعم استخباراتي في تنفيذ جرائم أغتيالات ، أُرتكِبتْ بحق مقاتلي المقاومة الفلسطينية و الاسلامية ، وبحق شخصيات وطنيّة فلسطينيّة وعربية ، وبحق علماء في الطاقة من مصر والعراق وايران .
و تدعم امريكا سياسة الاغتيالات ، التي تتبناها وتمارسها اسرائيل ، لمصلحة اسرائيل والصهيونية وليس من اجل مصالح الشعب الامريكي .
بماذا تختلف امريكا عن اسرائيل في سياسة الاغتيالات؟
امريكا تجتهد في تبرير سياسة الاغتيالات و توظّف وسائل ،تحسَبها شرعية و قانونية ، وفي مقدمة هذه الوسائل هو قوائم الارهاب التي تتبناها الادارة الامريكية ، وتنشرها علناً ، وتفرضها على العالم ، وتتولى تحديثها سنوياً ،وهي قوائم تتضمن اسماء شخوص ومؤسسات وحركات ودول ، ومعيار التصنيف بين ارهابي و غير ارهابي هو ” مصلحة اسرائيل ” . وكل ماهو مُصنّف ارهابي يصبح مُستهدف بالقتل وبالتصفيّة من قبل امريكا و اسرائيل و اجهزة المخابرات ، والعملاء المتعاونين معهم ، وبموجب لوائح الارهاب الصادرة و المتبناة من قبل الادارة الامريكية . وعلى هذا الاساس و المعيار الامريكي ، والمخالف للقوانين الدولية و الانسانية ولميثاق الامم المتحدة ، قامت الادارة الامريكية السابقة ،و بأمر من الرئيس الامريكي السابق ترامب بأغتيال اللواء قاسم سليماني و رفاقه في بغداد ، بأعتباره قائداً في الحرس الثوري الايراني و المصنّف وفق الادارة الامريكية بمنظمة ارهابية .
أدركت ايران جيداً بأنَّ بقاء الحرس الثوري في قائمة الارهاب يعني بقاء قادته في دائرة الاستهداف المشرّعن لجريمة الاغتيال ، و لذلك تصّرُ ايران على تنفيذ شرط شطب الحرس الثوري من قائمة الارهاب ، وتعتبره امراً حاسماً في قبول او رفض الاتفاق النووي ( انظر في ذلك ،مقال للسيد محمد صالح صدقيان ، بعنوان ٤٢ سنة من الفر والكر بين امريكا و ايران ،في ٢٠٢٢/٥/١٠ ، منشور في وسائل التواصل الاجتماعي ) .
سياسة الاغتيالات هو ارهاب دولة ، وهو اسوء من ارهاب القاعدة وداعش والزرقاوي والبغدادي وغيرهم ،لانه ارهاب مدعوم و مبرّر دولياً وبغطاء قانون صادر من كونغرس امريكي او من كنيست ، ومفروض على العالم امريكياً وسياسياً ، ولأنَّ سياسة الاغتيالات ارهاب دائم و مستمر و مرتبط بالدولة العميقة سواء في امريكا او في اسرائيل ، وتمارسه امريكا او اسرائيل علناً ، واحياناً تفتخر ( امريكا او اسرائيل ) بتنفيذ جريمة الاغتيال ، وتعتبره انجاز ، و سلوكهما لا يختلف عن سلوك ارهابي و مجرمي داعش عندما ينشرون علناً جريمتهم ويتبنونها ويفتخرون بحّز الرؤوس و حرق الاحياء ..