الخميس - 28 مارس 2024

قرار المحكمة الاتحادية حول حكومة تصريف الاعمال

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


جمعة العطواني *||

*مركز افق للدراسات والتحليل السياسي
الاحد 15/ 5/ 2022
مرة اخرى تدخل المحكمة الاتحادية على خط ازمة الانغلاق السياسي من خلال قرارها الاخير بحصر صلاحيات حكومة الكاظمي بتمشية الامور اليومية ليس اكثر.
هذا القرار جاء متسقا مع روح النظام السياسي في الدولة العراقية ، اذ اكدت المحكمة الاتحادية (( ان النظام البرلماني في العراق يقوم على ركيزة اساسية تعتبر حجر زاويته والمتمثلة بمسؤولية الحكومة امام البرلمان اذ يمارس البرلمان دوره الرقابي على اداء السلطة التنفيذية وفقا لما جاء في المادة- 61/ثانيا – من الدستور ، اذ الاصل ان الحكومة لا يمكن ان تمارس سلطاتها وصلاحياتها دون ان تمنح ثقة مجلس النواب استنادا لاحكام المادة- 76/ رابعا – من الدستور والتي نصت على (يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف اسماء اعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزراي بالاغلبية المطلقة)، وعليه فان السلطة التشريعية هي التي تعطي الشرعية للحكومة بمماسة عملها بعد ان تمنح الثقة من إلى قبلها وفي ذات الوقت تستطيع السلطة التشريعية سحب الثقة من الحكومة استنادا لاحكام المادة – 61/ ثامنا/ أ ،و ب، و ج، و د- ).
كما اكدت المحكمة الاتحادية في الفقرة ( ثالثا) على ا( ان مجال تطبيق حكومة تصريف الاعمال او حكومة تصريف الامور اليومية في دستور جمهورية العراق لعام 2005 يتحقق بحالتين .
الاولى : عند سحب الثقة من الوزارة استنادا لاحكام المادة – 61/ ثامنا / أ وب و ج- .
والثانية : عند حل البرلمان استنادا لاحكام المادة – 64/ اولا و ثانيا – من الدستور .
وفي الفقرة ( رابعا) من قرارها اكدت المحكمة الاتحادية ( ان حل البرلمان يؤدي الى عدم استطاعة مجلس النواب من ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية وفقا لما جاء في المادة (61) من الدستور، فان ذلك يوجب ان تتحول الحكومة من حكومة كاملة الصلاحية الى حكومة تصريف اعمال)…. وان العلة في ذلك التحول هو عدم امكانية ممارسة الرقابة عليها بعد حل البرلمان، لانها تصبح رقابة مجردة من سلطة العقاب .اذ تمر تلك الحكومة بفترتين ، الاولى : من تاريخ حل البرلمان الى حين انتخاب برلمان جديد، وهنا لا وجود للسلطة التشريعية بمعناها الدستوري.
الثانية : في المرحلة التي تمتد بين التصديق على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة – 93/ سابعا- من الدستور ، واداء اعضاء مجلس النواب اليمين الدستوري امام المجلس وفقا لما جاء في المادة – 76/ اولا وثانيا وثالثا ورابعا واخامسا- من الدستور. وفي هذه الحالة لا يمكن التسليم بالحجة القائلة ان المصاقة على نتائج الانتخابات تعتبر بمثابة انطلاقة جديدة للحياة السياسية لحكومة تصريف الامور اليومية .
ومن اهم النقاط التي تعد فيصلا كبيرا في قرار المحكمة الاتحادية هو ما اشارت اليه في الفقرة ( خامسا) اذ نصت على ( ان المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات واستمرار عمل الحكومة السابقة والتي منحت الثقة من قبل مجلس النواب السابق المنحل يوجب الجمع بين امرين متعارضين .
الاول : استثناء الحكومة من ممارسة الاختصاص العام الشامل باعتبارها حكومة مستقيلة او بحكم المستقيلة .
الثاني : استمرار ديمومة عمل مؤسسات الدولة والمرافق العامة مع عدم جدوى الرقابة البرلمانية لانها رقابة مجردة من العقاب ، اذ لايمكن سحب الثقة من الحكومة لانها في الاصل تعتبر مستقيلة او بحكم المستقيلة، وبالتالي فان سحب الثقة يكون محلة حكومة مشكلة ووفق الاطر الدستورية وممنوحة الثقة من البرلمان الذي يمارس الرقابة عليها، وان حكومة تصريف الاعمال لم تمنح الثقة من البرلمان الجديد وانما منحت الثقة من البرلمان المنحل ، اذ لايجوز سحب الثقة من حكومة لا تمتلك الثقة اصلا .
وقد اشارت المحكمة الاتحادية الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم -2- لعام 2019 في المادة 42/ ثانيا ( يقصد بتصريف الامور اليومية اتخاذ القرارات والاجراءات غير غير القابلة للتاجيل التي من شانها استمرار عمل مؤسسات الدولة والمرافق العامة بانتظام واضطراد ، ولا يدخل من ضمنها مثلا اقتراح مشروعات القوانين او عقد القروض او التعيين في المناصب العليا في الدولة والاعفاء منها او اعادة هيكلية الوزارات والدوائر).
وختمت المحكمة قرارها بعدم دستورية تقديم مشاريع القوانين من قبل حكومة تصريف الاعمال وعقد القروض او التعيين في المناصب العليا للدولة او الاعفاء منها او اعادة هيكلية الوزارات والدوائر.
مما تقدم يتضح التالي :
اولا : ان البرلمان يعد بمثابة الروح بالنسبة للحكومة ، فعند موت البرلمان ( من خلال حل نفسه) فان الحكومة تبقى بلا روح كاملة ، نعم تبقى فيها روح اشبه بروح الانسان في حالة النوم او الاغماء ليس اكثر.
فلا تستطيع الحكومة التي ليس لها روح ( برلمان ) ان تتحرك كما كانت تتحرك عندما كان البرلمان ينفخ فيها من روحه.
ثانيا: ان سحب الثقة من الحكومة يعني سحب الروح منها ايضا، فلا تمتلك الصلاحيات الكاملة.
ثالثا: ان الحكومة مرتبطة ارتباطا مباشرا بالبرلمان الذي وضع الثقة فيها حصرا، ولا علاقة للبرلمان الجديد فيها، فهي بمناى عن محاسبته، لانها ليست وليدة هذا البرلمان ، بل انها لا تمتلك صلاحيات حتى يمكن ان يحاسبها البرلمان، فهي فاقدة القدرة على العمل، وتعيش موتا سريرا ليس اكثر.
رابعا : لا يستطيع البرلمان الجديد ان يعيد الروح الدستورية بنفس حكومة تصريف اعمال، كونها مربتطة وجودا وانتهاءا بالبرلمان الذي اوجدها.
خامسا:ان حكومة تصريف الاعمال هي اشبه ما تكون بحكومة ( برزخية)، اذا نها تعيش مابين مرحلتين :
مرحلة ما بعد اسقتالتها او بحكم استقالتها .
ومرحلة تشكيل حكومة جديدة .
وبالختام فان كل امال واحلام من كانوا يمنون النفس باعادة الروح في حكومة الكاظمي من خلال:
اعادة طرح الثقة فيها من نفس البرلمان .
او بقائها على تصريف الاعمال وشرعنة عملها في تقديم مشاريع القوانين مثل قانون الامن الغذائي وغيره من القوانين ، فان قرار المحكمة الاتحادية افاقهم من ( اضغاث احلامهم) واستفاقوا على واقع جديد ، ربما يجعلهم يعيدون حساباتهم ويتعاملون مع الانغلاق السياسي باسلوب جديد وواقعية جديدة .
ـــــــــــ