الخميس - 28 مارس 2024

ثقافتنا والفن: النهر الثالث

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


حليمة الساعدي ||

بلد يتذوق الثقافة والفن والادب منذ سبعة الاف سنة وتجسد ذلك واضحا في حياة شعبه اليومية التي تعشق حلقات الدرس وتذوب في مسابقات الشعر وتتفاعل مع المهاويل وتلاحق الاصدارات الجديدة وتتلقفها بشغف الاطفال العاشقين للُعَبهِم، شعب يذوب هياما لنغمة الناي الحزين وينسجم فرقا ووجدانا حين يشدوا العود صبابة.
العراقيون هم اول من ابتكر الكتابة ورسم اللوحة وجسد الجمال وهم اول من كتب القصة ودون الاحداث وارخها وهم اول من حاك ونسج ونحت من الصخرة الصماء جمالا ومن سعف النخيل آنية ومن البردي والقصب بيوتا ومضايف ذات هندسة جميلة وزخرفة بديعة ترسم لوحة سومرية اصيلة مع مشحوف يرقص على انغام انفاس الفلاحين وصليل مناجلهم وهي تحصد رقاب سنابل الخير الذهبية. وفي بغداد مقاهي منها انطلقت اقدس الثورات الناشبة ضد الاستعمار والطغيان والظلم. مقاهي بغداد كانت ولا تزال ملتقى للمثقفين والادباء والقراء والشعراء شارع المتنبي الذي كان ولا يزال شاخصا يئمه القراء والصحفيون والادباء والعلماء ورجال الدين فهو النهر الثالث لبغداد فنهران ماء ونماء وثالث ثقافة وادب وعلوم. لازالت بغداد تصارع الموت الذي طال كل حجر ومدر والفساد الذي استشرى في جميع مؤسسات الدولة انعكس سلبا على المؤسسات الثقافية فكثرة الاهمال والتخريب جعلت الفنان والمثقف والاديب على رف الاهمال والفقر والعوز مما دفع بهم الى طي كل ماهو ذو قيمة وهدف والانخراط في دروب الفن الرخيص والاسفاف والابتذال لان هذا مايريده اصحاب المعالي.. يريدون شعبا اصم ابكم اعمى لايطالب بحقوق ولا يفكر بطرق الخلاص من نير الفساد الذي اكل الدولة كما تأكل النار الهشيم فالملاهي اصحت تسمى اندية ثقافية والبارات وحبوب الكبسلة والكرستال زحف كزحف جيش منتصر ودخل اتحاد الادباء ونقابات الفنانين وروابط الشعراء من اوسع ابوابها واصبحت المسارح في منتهى الرخص والابتذال مهمتها تقديم اعمال لا تليق بالعائلة العراقية وربما اصبحت المسارح احد اسلحة الحرب الناعمة التي تهدف الى ضرب القيم والاخلاق النبيلة وتشويه الهوية الثقافية.
ان وزارة الثقافة والمؤسسات التابعة لها وشبكة الاعلام العراقي هما المعنيان بالدرجة الاساس في مراقبة ومتابعة ورصد الانحرافات الثقافية ومحاولة تقويمها وهما المسؤولان بالدرجة الاساس في خلق ثقافة رصينة وبنائة وذات مستوى عالي تعكس هوية العراق الحضارية والثقافية بين الدول والامم. ان الهدف من كل هذا الاسفاف والتدني بالمستوى الثقافي هو فصل الانسان العراقي عن تاريخه وحضارته وقتل روح الافتخار الاعتزاز بوطنه وارضه لان الحضارة والثقافة هي الماء الذي يروي جذورنا وينعشها ويبقيها حية ويجعلنا كالاشجار القوية التي لا تهزها ريح اما اذا انقطع عنّا هذ الماء فأن هذه الجذور سيعتريها العطش وستذبل وتتيبس وسيسهل قلها. وربما هذا هو الهدف فاعتبروا يا اولو الالباب