الخميس - 28 مارس 2024

الشَّعائِر.. رُؤيَةٌ فِي الجَدَليَّةِ (١)

منذ 4 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024

  نـــــــــــزار حيدر

   {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.

   كلُّنا نعرف، فإِنَّ الشَّعائر جمع شعيرة، ومعنى الشَّعيرة هو العلامة أَو علمُ الدَّلالة، وهو ما يُستَدلُّ بهِ على شَيْءٍ ما.

   وتارةً تَكُونُ الدَّلالة مكان كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ} وتارةً تكون شيئاً ما كما في قولهِ تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ} وتارةً تَكُونُ للتَّنبيهِ أَو لإِلفات النَّظر كما في قولِ رسول الله (ص) {أَمَرَنِي جِبْرِيلُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْإِهْلَالِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ}. 

   والشَّعائر هي أُسلوبٌ سماويُّ للإِمتحان والإِختبار، كما في قولِ الله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ} وقولهُ {قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقولهُ {قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ}.

   وبالمُجمل فإِنَّ الشَّرع، وهو مبنى العُقلاء كذلكَ، أَمر بحفظِ وصيانة الشَّعائر بمُختلفِ عناوينِها وأَسمائِها ومُسمَّياتها ومعانيها ودلالاتها، كما في قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} وكذلك ما وردَ في الحديثِ الشَّريف عن رَسُولِ الله (ص) {يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ}.

   وتزدادُ أَهميَّة الشَّعائر وتتَّسع دائرة مسؤُوليَّة حمايتِها من العبثِ كلَّما كانَ الشَّيءُ المُرتبط بها مُهدَّدٌ بالإِنقراضِ مثلاً أَو يتعرَّض للتَّهديدِ بالإِندراس، وكذلك كلَّما كانَ الأَمرُ مُهمّاً وخطيراً يخصُّ الأُمَّة والمُجتمع ورُبما البشريَّة جمعاء.

   ولذلك نُلاحظ أَنَّ المُشرِّع، مثلاً، إِعتبرَ بعض الشَّعائر واجبة لا يجوزُ التَّهاون بها أَو الإِستغناءِ عنها كونها تحمي بشَكلٍ مُباشرٍ الدِّين وتعاليمهِ وواجباتهِ.

   كما اعتبرَ بعضها مُستحبَّةً مؤَكَّدة لإِرتباطها ودورها في حمايةِ السُّلوكيَّات الفرديَّة والمُجتمعيَّة، وهكذا.

   ولكَون عاشوراء يتلازم معها الأَمران، الأَهميَّة القُصوى وتعرُّضها للحربِ المُستمرَّة وبمُختلفِ الطُّرُق والوسائل في محاولةٍ من قِبَلِ أَعدائها لمحوِها وطمسِها ودرسِها من ذاكرةِ الأُمَّة كخُطوةٍ باتِّجاه إِلغائها نهائيّاً من واقعها، لذلك عدَّ الشَّرعُ الشَّعائر الحُسينيَّة من المُستحبَّات المُؤكَّدة فيما إِعتبرها بعضُ العُلماء والفُقهاء والمراجع الدينيَّة واجبةً في ظرُوفٍ ما.   

   وقبلَ أَن نغوصَ في موضوعِ الشَّعائر الحُسينيَّة تحديداً، والتي يكثُرُ الجدل حولها كلَّ عامٍ مع بزوغِ هلالِ شهر المُحرَّم الحرام، أَودُّ أَن أُشيرَ إِلى الثَّوابت التَّالية، وهي قواسم مُشتركة بين كلِّ ما خلقَ الله تعالى وما أَنتجهُ العقلُ البشري الذي إِهتدى بقوانين وسُنن الخلق ليُبدِع فيُنتج كلَّ ما من شأنهِ المُساهمةِ في تنظيمِ حياةِ النَّاس والرُّقيِّ بها لتحقيقِ السَّعادةِ للإِنسان، والذي أَطلقَ لَهُ المُشرِّع المجال بِلا حدودٍ لتحقيق ذلك شرط الإِلتزام وعدم التهتُّك، كما في قولهِ تعالى {وَأَلَّوِ ٱسْتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَٰهُم مَّآءً غَدَقًا} إِذ لا يمنع من ذلك إِلَّا الظُّلم والعُدوان.

   أَمَّا الثَّوابت، فهي؛

   *يتبع..   

   ١ تشرِينُ الأَوَّل ٢٠١٩