الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


محمد مكي آل عيسى ||

“ورد عن رسول الله (ص) أنه قال : كفر بالله العظيم من هذه الأمّة عشرة وذكر منهم الساعي في الفتنة”
كيف يكون أحدنا ساعياً في الفتنة ؟
هل منّا من يحب الفتنة فيسعى إليها ؟
ليس هناك مؤمن يحب الفتنة ولا أحد يدّعيها لنفسه فيقول أنا أشعلت هذه الفتنة أو يقول أنا فتنت هذا أو ذاك.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يحذّر الله ورسوله (ص) من الفتن ؟
لابد أن يكون الوقوع في الفتنة أمر يحدث في خفاء وفي غفلة من العقل فيقع فيها المؤمن من حيث لا يشعر !
هل هناك من هو في عصمة من الفتنة ؟
يخاطب الحق جل وعلا رسوله الكريم مخاطبا فيقول { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ } فالله يحذّر رسوله من أن يفتنه بعضهم
ويقول الحق جل وعلا { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } لكنه عندما بعث بالحق نبياً لم يؤمن به علماء بني إسرائيل وفتنوا به (ص)
وعن باقر علم أهل البيت ع : إنه لا بد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعرة بشعرتين . . وللحديث تتمة
فالظاهر أننا لسنا بمنأى عن الفتنة وأن مرورنا بها أمر وارد جداً ولا يستثنى أحد !! استجير بالله
واليوم نرى الرأي العالمي قد توجّه لإنشاء مصانع الفتن بشكل يضاهي مصانع السلاح حيث أن الفتنة أبخس ثمناً وأسهل تداولاً وأمضّ تأثيراً وأبعد وأدق وصولاً.
أسلحة الفتنة لا تصيب الفرد فحسب بل تقلبه ليعمل لصالح عدوّه ضدّ نفسه فيتحوّل الفرد إلى عميل لعدوّه من حيث لا يشعر .
مصانع الفتن اليوم لا تعمل على المبادئ العقلية كي نستطيع كشفها والاحتراز منها بل تخلق جوّاً عامّاً مثيراً ملفتاً للانتباه مرغماً الناس جاهلهم وعالمهم أن يتفاعلوا مع هذا الظرف.
من منّا لا يملك المشاعر والأحاسيس ؟ من منّا لا يملك الغيرة على النفوس والدماء والأعراض ؟
من منّا لا يتأثر بدمعة الطفل اليتيم ؟
من منّا لا يؤذيه ظلم الظالمين ؟
هذه هي المفاتيح . . مفاتيح الفتن . . . والأدهى أن يكون الدخول في الفتنة والاستجابة لها وفق مسوغ ديني
إن الجو العام الّذي يراد منه تمرير الفتنة محرّك قوي وباعث على تحريك الآخرين لولوج الفتنة الّتي لايتمكّن من ولجها أن يرى بعين الحق فيها . . لكنها ما إن انطفأت حتى يتبين له ما كان عليه من الضلال” إِنّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهِتْ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ، يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَت، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَات “
ومصانع الفتن اليوم تتفنن في صياغة الفتنة وتأسيسها وتأجيجها وتعميمها . . وبالمقابل فلا يوجد لدينا مصانع لدرءِ الشبهات وصد الفتن وما أحوجنا إليها فإذا ما أقبلت الفتنة فقأ عينها العلماء.
فاعتبارنا اليوم أن هناك من هو في عصمة من الفتنة اعتبار خاطئ. . وما أبرّئ نفسي . . ليس عيباً أن يخطأ فلان مرّة فهو غير معصوم وقد تنطلي عليه الحيلة وقد يقع في الفتنة . . العيب كل العيب إذا انجلت ظلمة الفتنة وعادت البصيرة للقلوب وهو مصرٌّ على خطئه أخذته العزّة بالإثم فتشبث بموقفه وبالفتنة
نعم تختلف الناس لاستجابتها للفتنة ، فالمتوقّع من الشباب أن يكون انزلاقهم في الفتنة سريع بل ويكونوا سعاة لترويج لافتنة من حيث لا يشعرون وذلك بسبب طاقتهم الحركية العالية وفعاليتهم المستمرة من جهة وبسبب الطيبة والخير المودع في نفوسهم والتي تستجيب سريعاً لكل من يداعبها والمتوقع من البسطاء كذلك لأنهم لا يملكون الرصيد العلمي والفكري الكافي الذي يمكنهم من قراءة الواقع وكذلك هو المتوقع من العاطفيين ذوي الشعور المرهف الحساس حيث ان مشاعرهم هذه لها الدور الأساسي في تحريكهم مقابل أي تحفيز أمّا المتوقّع من العلماء أنهم لا يتأثّرون إذا هبّت رياح الفتن بل الكل يتوقّع منهم أن يكونوا هم مصدّات هذه الفتن وهم الذين يجهضوها ويدرؤوا خطرها.
والحق أن العلم وحده لا يكفي العالم بأن يمنعه من الانزلاق والسقوط في الفتنة بل يحتاج العالم إضافة لعلمه القدرة على توظيف ما تعلّمه ليسيطر به على نفسه بعواطفها ورغباتها وانفعالاتها ، يحتاج علمه لكبح جماح نفسه الّتي تكون اسرع استجابة للفتنة ، يحتاج علمه للتأنّي فيدرس الأمر ويقلب جميع وجوهه وينظر للأبعد منه ، يحتاج لأن يستشير ويشارك الآخرين عقولهم حيث أن العالم يحتاج نظرات متعددة حول الواقع حيث أن سعة الواقع لا تسمح لأي منّا أن يحيط به علماً من خلال نظرته الفرديّة فحسب فلابد من أن يحرز النظرات الأمينة المتعددة للمخلصين كل بحسبه ومن جهته ليكسب السعة والشمول والعمق والدقّة في النظرة.
كما أنه بحاجة لمعرفة مصانع الفتن وكيف يدور الأمر فيها وما هي أهدافها وكيف تعمل وكيف تؤسس الفتن التي تدعو لها وعلام تعتمد بتأسيسها وبالتالي يصل لما يريد و يستطيع أن يرى الواقع من كل جهاته فيشخص مكامن الفتن ولا تنطلي عليه حيلها فلا يفتتن بها ويكون لها خير متصد وبالتالي يفشل ما تنتجه مصانع الفتن.