الجمعة - 29 مارس 2024

دحو الأرض؛ عيدٌ صامتٌ وساكنٌ غافلٌ وأرض بلا إيجار..!

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


د.أمل الأسدي

في كلّ عام نسمع بمناسبة “دحو الارض” في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وقد يصوم بعضنا ويقوم بأعمال اليوم المخصصة، ويدعو الله ، ويمر الأمر من غير تفكر أو تأمل أو البحث عن فلسفة خاصة بهذا اليوم!!
وهنا أود الانطلاق من النص القرآني الذي ثبّت لنا حقيقة الدحو في قوله تعالی:((أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا۞رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا۞وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا۞ وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ۞أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ۞وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ۞مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)) سورة النازعات،الآية:٢٧- ٣٣
ويبين لنا سياق الآيات أن الله تعالی يخاطب المنكرين الجاحدين بأسلوب استفهامي تقريري أو إنكاري(توبيخي): (أأنتم أشد خلقا؟) فخلقكم واماتتكم وبعثكم ليس بأصعب من خلق السموات والأرض،ثم تأهيلها وتفعيلها لخدمة البشر!!
وصولا الی قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) والدحو هو البسط، دحا الأرض دحوا،أي بسطها.
ودحو الأرض بحسب قول الإمام الباقر (عليه السلام) هو : (لمّا أراد الله تعالى أن يخلق الأرض، أمرَ الرياح فضرَبن وجهَ الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبَد فصار زبداً واحداً، فجمعَه في موضعِ البيت ثمّ جعله جبلاً من زبَد، ثمّ دحا الأرض مِن تحته، وهو قول الله تعالى: إنّ أوّل بيتٍ وُضِعَ للناسِ لَلّذي ببكّةَ مُباركاً) وقال أيضا في معرض تبيانه معنی البيت العتيق:( إنّ الله خلقه قبل الأرض، ثمّ خلق الأرضَ مِن بعده فدحاها مِن تحته)،إذن فعملية دحو الأرض هي إيذان بتفعيل صلاحيتها للحياة، فقد ترتب علی الدحو إظهار النعم (فأخرج منها الماء والمرعی وأرسی الجبال .. كل هذا متعاعا لكم ولإنعامكم!
ثم نعود لنبحث عن نقطة التحول التي أدت الی دحو هذه الأرض وتأهيلها وإتمام الدور السماواتي( أغطش ليلها، وأخرج ضحاها) وهنا نقف عند خطاب رب العزة في مناسبة اجتماع أهل الكساء،ذلك الاجتماع المشترك بين المخلوقات السماوية والأرضية،حين نادی المولی عزّ وجلّ مبارِكا ومبينا وملزِما بمكانة أهل الكساء:( يا ملائكتي ويا سكّان سمواتي،وعزتي وجلالي،إني ماخلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحيةً ولاقمراً منيراً ولا شمساً مضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا لمحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء، فقال الأمين جبرائيل ياربِ ومن تحت الكساء؟ فقال عز وجل هم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة،هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، فقال جبرائيل ياربِ أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً، فقال الله: نعم قد أذنت لك) إذن فالمحبة هي من خلقت السماء وبنتها،وهي من دحت الأرض وعمرتها،محبة الباري الخالق لمحمد وآل محمد ، تلك المحبة هي العلة التي فعّلت الحياة وأطلقت عجلتها!!
فتعالوا ياسادة،لنحتفي كما احتفی سكان السماوات جذلا واعتزازا ومحبة ومعرفةً وبصيرةً،تعالوا لنكمل مشهد الإخبار المفرح،ولنصحب بأرواحنا (الملك جبريل) ونراه بقلوبنا كيف ينقل البشری قائلا:(السلام عليك يا رسول الله، العلي الأعلى يُقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك: وعزتي وجلالي،إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلا لأجلكم ومحبتكم…) فسلموا علی رسول الله وأهل بيته،وقولوا لهم شكرا شكرا شكرا حتی قطع النفــــــــس!! فلأجلكم بُسطت هذه الأرض، ولأجلكم رُفعَت السماء،وبكم ارتبطت الحياة، وعلاقتها بكم وثيقة،ومهما حاول البشر الجاحد أن ينزع هذه الصلة ويخلخلها، لن يستطيع، ولها عودة أخری الی المشهد السماوي نفسه،الی مشهد الإعلان عن علة الخلق والبسط والوجود!!
شكرا لله وشكرا لكم،لقد منحتم الناس منزلا وسكنا بلا إيجار، وشمسا وقمرا وسماوات مبنية بلا إيجار، وبلا منة وبلا ملاحقة!! نتنفس ونأكل وننعم من دون منة !!
نحن سكان أرضكم،نحن الغافلون عن فضلكم،الغافلون عن حتمية العودة،عودة كل شيء خُلق لأجلكم لكم!!
شكرا لقلبك يارسول الله، أكلّ شيء بفضلك ويحاربونك رغم ذلك؟ يقتـ.لون أبناءك ويلاحقونهم في أرضك ويسلبونهم حقهم وأنت مازلت أبا رحيما!!
ـ عيدٌ صامتٌ يامولاي يارسول الله ، نعم… دحو الأرض هو عيدٌ؛لكنّ الغفلة جعلته صامتا،لايُحتفی به رغم أنه عيد الرضا،عيد القبول،عيد النعم!!
فكل عام ونحن سكان أرضكَ،وكل عام وأنتم أصحاب الفضل،وكل عام وصوتكَ باق بابنك المنتظر،وكل عام ونحن ننتظر مشهدا سماويا متجددا !
وكل عام وأنتم(صلوات الله عليكم) سند لنا وعماد ومنار ودرع…