الخميس - 28 مارس 2024

تأسيس متحف لجرائم التطرف في العراق ضرورة لحفظ الذاكرة

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


د. قيس ناصر *||

*باحث واكاديمي

إن القراءة السريعة لمشهد الأحداث في العراق لمئة عام الماضية- وهو عمر الدولة العراقية المعاصرة التي تشكلت في عام 1921م- تشّي بأن التطرف وجرائمه ماثل في كل حقبة سياسية مرت بالعراق, إذ لا تكاد حقبة تخلو من جرائم التطرف, الذي هو أشبه بالفايروس ماثل في كل مكان, وينتقل من السلطة إلى الأفراد احياناً, نتيجة لتركه من دون تشخيص ومعالجة, فتشخيصه يتم عبر توثيقه, ومن ثم تأتي مرحلة دراسته, التي ستقدم معالجات لمنع تكراره, ولعل واحدة من وسائل التوثيق هي وجود المراكز والمتاحف التي تحفظ الذاكرة, وتسهم بمنع تكرار ما حدث, فضلاً عن تسويق ما جرى, بتوظيف الفن والأدب .
وللدول التي عانت من جرائم التطرف تجارب في حفظ ذاكرتها من خلال المتاحف, ولعل المانيا هي الدولة الأولى في العالم في مجال توثيق جرائم التطرف النازي, وتعد إنموذجا للمهتمين بذلك من حيث وجود المراكز والمتاحف, التي توثق جرائم النازية, على سبيل المثال, فإن المقر السابق لـ(الغستابوGestapo- ) في برلين قد تم تحويله إلى متحف, كذلك يوجد مركز توثيق جرائم النازية في مدينة كولونيا, الذي هو كذلك كان مقراً للشرطة السرية في النظام النازي, فضلاً عن وجود متاحف في ميونيخ ومدن المانية اخرى .
وفي البوسنة, يوجد متحف الإبادة الجماعية, الذي يحفظ ذاكرتهم الجماعية, ولا سيما مجزرة سربرنيتسا, التي ارتكبت في عام 1995, فضلاً عن آثار الظلم والتعذيب في مجازر اخرى, أما في جنوب افريقيا, فمتحف الابارتهايد خير شاهد على جرائم العنصرية, كذلك قد تحول سجن نيلسون مانديلا إلى متحف لتخليد ما جرى, ولم يغب أهمية المتاحف عن رواندا, إذ يوجد متحف كيغالي, الذي يظل شاهداً على الإبادة الجماعية التي زهقت ارواح حوالي 800 ألف انسان خلال التطهير العرقي الذي شهدته البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي .
عربياً, في بيروت, يوجد متحف لتوثيق الحرب الأهلية اللبنانية، الذي بالأصل كان مبنى يمثل خط الحرب الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية، والذي خاضت فيه الحرب أوزارها، ومقراً للقناصة. أما في العراق, فتجربة توثيق جرائم التطرف من خلال المراكز والمتاحف خجولة جداً, ولا ترتقي إلى حجم المأساة التي حدثت, وربما لو كان ما حصل في دولة أخرى, لوجدنا في كل مدينة متحفاً يستذكر الجرائم ويحفظ الذاكرة, فعمل توثيق جرائم التطرف في العراق, تمثل بـ:
مؤسسة الذاكرة العراقية, التي توقفت عن العمل على الرغم من حجم المشروع الذي كانت تسعى إليه, والمتحف الوطني للأمن الأحمر في السليمانية, الذي تأسس في موقع مديرية الأمن الصدامية سابقاً, إشارة إلى دورها الاجرامي, ويحتوي المتحف على قاعات للتعريف بالأنفال, والهجرة الجماعية, وغاليري, وسينما بسيطة, فضلاً عن قاعة توضح السجون, وطرائق التعذيب.
وفي حلبجة, هناك متحف لضحايا القصف الكيميائي, وهو متحف يوثق ما تعرضت له المدينة. فضلاً عن ذلك توجد بعض المراكز الاكاديمية التي تُعني بالإبادة الجماعية, وعلى الرغم من أهميتها, إلا أن عملها يبقى مُقيد بأسوار الجامعة, والمتلقي الاكاديمي. وما يعول عليه اليوم في توثيق جرائم التطرف في العراق, هو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف–التابع إلى قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة, وهو مركز يسعى لحفظ الذاكرة العراقية دون تمييز بن ديانة أو طائفة أو قومية. كذلك توجد متاحف أخرى تابعة إلى مؤسسات امنية, إلا أن عملها التوثيقي محدود جداً .
ختاماً, لا تخفى جرائم حزب البعث المقبور, والتنظيمات الارهابية عن أي متابع للشأن العراقي, إلا أن توثيقها ودراستها, ونقلها إلى الرأي العام المحلي والدولي, لم يكن كما ينبغي, ربما يستثنى من هذا الأمر بعض (المحاولات), لأفراد أو مؤسسات, وفي الوقت نفسه هناك غياب لمتحف يحفظ الذاكرة الجماعية للعراقيين, ولعل ما تم ملاحظته من خلال التجارب الدولية, أنها قد حولت مواقع ارتكاب الجريمة إلى متاحف كشاهد لحفظ الذاكرة, وفي العراق أغلب مواقع الجرائم قد تم تخريبها دون قصد احياناً, ربما المتبقي من مواقع ارتكاب الجريمة واشهرها هو فندق السلام في محافظة النجف الاشرف, الذي ارتكبت فيه مجزرة راح ضحيتها آلاف الأبرياء في عام 1991م, هذا من ناحية موقع الجريمة, كذلك إن موقع المجزرة, في مدينة تعد مركزاً للتوافد المحلي والدولي, لوجود مرقد الامام علي (ع), والمرجعية الدينية العليا, وهذا ما يسمح له أن يكون متحفاً لتعريف العالم بحجم الجرائم التي تعرض لها العراقيون سواء من نظام البعث المقبور أم من التنظيمات الارهابية بعد 2003م