الخميس - 28 مارس 2024

تطورات المشهد السياسي العراقي في تقرير مفصل لوكالة AP

منذ سنتين
الخميس - 28 مارس 2024


فهد الجبوري ||

نشرت وكالة اسوشييتد بريس الأمريكية AP اليوم ( الجمعة ) تقريرا مفصلا عن تطورات المشهد السياسي العراقي وصفت في مقدمته حادثة اقتحام مبنى مجلس النواب من قبل اتباع السيد مقتدى الصدر .
وقالت أن الآلاف قاموا باقتحام المبنى بسرعة ثم انسحبوا ايضا بسرعة بناءا على أوامر زعيمهم ، مشيرة الى أن التحشيد السريع والسيطرة هي استراتيجية قديمة لمقتدى الصدر ، الشخصية الزئبقية التي ظهرت كقوة قوية على المسرح السياسي العراقي المعقد بأجندة قومية مناهضة لإيران
وبعد هذه المقدمة ، طرح تقرير الوكالة الذي أعده مراسليها في بغداد عدة تساؤلات منها هذا التساؤل : ما الذي قاد الى الشلل السياسي في العراق ؟
وفي معرض الإجابة يقول التقرير : تقريبا بعد عشرة اشهر من الانتخابات الأخيرة ، لم يتمكن العراق من تشكيل الحكومة الجديدة . وذلك يشكل اطول فترة منذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ والذي أرسى النظام السياسي في البلاد .
ويضيف التقرير لقد أدى هذا الجمود والانسداد الذي طال أمده الى شل حركة الدولة التي هي بالأساس هشة مع عدم وجود طريق واضح لتجاوز الأزمة .
ويقول ” وإن ايران ، وفي هذه الأثناء ، تعمل خلف الكواليس لتجميع النخبة الشيعية المتفرقة ، مع احتمالية احداث خلل بالتوازن الدقيق مع الولايات المتحدة ” مشيرا الى ” أن هذا الشلل – المدفوع الى حد كبير بالثأر الشخصي للنخب – قد حول النظام السياسي العراقي الى لعبة شطرنج عالية المخاطر مع عواقب مزعزعة للاستقرار . والعراقيون العاديون ليس عندهم الخيار سوى المراقبة .
واعتبر التقرير أن احتجاج الأربعاء كان رسالة تحذير الى خصوم الصدر أنه ليس بالإمكان تجاهله وهم يسعون الى تشكيل الحكومة من دونه .
وقد طرح التقرير تساؤلا آخر وهو : ما هي التحركات التي قام بها اللاعبون الأقوياء في إشارة الى نوري المالكي ومقتدى الصدر ، مشيرا الى أن المالكي والصدر كلاهما قويان في حد ذاتهما . وبالرغم من أن تحالف الصدر قد كسب المقاعد الأكثر في انتخابات تشرين البرلمانية ، لكن الأحزاب السياسية المتنازعة فشلت في احراز أغلبية الثلثين المطلوبة لانتخاب الرئيس الجديد للبلاد ، وهي خطوة مهمة قبل أن يتم اختيار رئيس الوزراء . وبعد فشل المفاوضات ، قرر الصدر سحب كتلته من البرلمان وأعلن انه يتوقف عن المشاركة في مباحثات تشكيل الحكومة .
ويشير التقرير الى أن المالكي هو من يترأس تحالف الإطار التنسيقي ، وهي مجموعة تقودها الأحزاب الشيعية المدعومة من ايران ، ومع ذهاب عائقهم الأساسي ، فقد استبدل الإطار نواب الصدر المستقيلين . وبالرغم من أن هذه الخطوة قانونية ، الا انها كانت ايضا استفزازية ، وقد منحت الإطار الأغلبية التي يحتاجها في البرلمان .
ويوم الاثنين ، أعلن الإطار محمد السوداني ، وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق ، مرشحه لرئاسة الوزراء . ويراه اتباع الصدر بأنه الشخصية التي من خلاله سوف يمارس المالكي سيطرته . وكان المالكي يريد موقع رئاسة الوزراء له ، ولكن تسريب التسجيلات والتي يزعم أنه كان يلعن وينتقد فيها الصدر وحتى حلفائه الشيعة ، قد أنهت عملية ترشيحه على نحو فعال .
ويطرح التقرير سؤالا آخر وهو ما هو الدور الذي تلعبه الحماسة الدينية ؟ ويجيب ؛ من خلال تحشيد اتباعه ، قام الصدر بتشديد حالة الغضب ضد ترشيح السوداني وكذلك تنمية الحماسة الدينية مع حلول موسم عاشوراء المهم ، وهي المناسبة التي يحيي فيها الشيعة قضية مقتل الامام الحسين سبط الرسول محمد ، وأن الشيعة كما جرت العادة يخرجون بالآلاف لإحياء هذه الذكرى مع هيجان العواطف اكثر خلال الايام التي تسبق يوم العاشر من محرم .
ويشير التقرير الى أن احتجاج الأربعاء كان فريدا لسبب آخر ؛ وهو أن قوات مكافحة الشغب لم تتدخل ، ومع عنف قليل .
وينقل عن الباحث توبي دودج ، من مؤسسة شتام هاوس قوله أن ذلك يمثل علامة أن أي من الأطراف لا يريد التصعيد في اراقة الدم . ويقول دودج ” لقد كان هناك ثلاثة رسائل كبيرة : هذا هو المسرح ، لم يحصل عنف يوم امس ، وهو امر مقصود عند كلا الطرفين ” مضيفا ” أنها معركة داخل النخب ؛ ولا علاقة لها من قريب مع بقية المجتمع . وقد فقدت هذه النخب شرعيتها داخل المجتمع .
وحتى لو تمكن معسكرا المالكي والصدر من تسوية خلافاتهما ، فأنه ما زال هناك لاعب ثالث آخر في السياسات العراقية ؛ الكرد . ويذكر التقرير أن الحزبين الرئيسيين الكرديين وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني منقسمان على نحو عميق . وهما يحتاجان في المقام الأول الاتفاق على المرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية . وقد تحالف الحزب الديمقراطي سابقا مع الصدر ، بينما يدعم الاتحاد الوطني تحالف الإطار التنسيقي .
ومن زاوية اخرى تطرح الوكالة هذا التساؤل : كيف يمكن ان تستمر المعارك خارج البرلمان ؟ وتجيب : لا جناح الصدر ولا جناح المالكي مستعدان أن يكونا خارج العملية السياسية ، لان كليهما سوف يخسر الكثير . وتقول : كلا الطرفين لديهما كبار الموظفين في مؤسسات الدولة العراقية ، وهم قد وضعوا فيها حتى يقوموا بدورهم عندما تستدعي الظروف من خلال منع اتخاذ القرارات وخلق عوائق بيروقراطية .
ويقول أن المالكي عندما كان رئيسا للوزراء لمدة ٨ سنوات بنى دولة عميقة من خلال وضع كبار الموظفين في مؤسسات الدولة المهمة ، ومنها جهاز القضاء . وفي موازاة ذلك ، زرع الصدر دولة عميقة ازدهرت ووصلت الى ذروتها في عام ٢٠١٨.
وفي الخاتمة يطرح التقرير سؤالا عن الدور الإيراني ؟ ويقول : وبالرغم من العواقب ، فقد أعلن الإطار التنسيقي استعداده للمضي قدما في تشكيل الحكومة . وقد وصف عضو الإطار محمد سعدون احتجاج الأربعاء بأنه محاولة انقلاب لكن مع ذلك لن تردع جهود التحالف .
ويقول أن تصريحات ورسائل الإطار تظهر أنه مستعد لعدم الرضوخ . ويقول الزميل في معهد واشنطن حمدي المالك ” أنهم لا يتوقعون أن الشوارع ستكون هادئة ، وهم مستعدون لذلك ”
ويرى التقرير أن الترشيح السريع نسبيا للسوداني هو اختبار لجهود ايران في توحيد الأحزاب الشيعية في التحالف . وقد كان بمثابة تحول دراماتيكي منذ الانتخابات ، حينما خسرت الأحزاب المدعومة من ايران ثلثي مقاعدها .
ويشير التقرير الى ان اسماعيل قانائي قائد قوات النخبة في الحرس الثوري قد قام بعدة زيارات الى بغداد في الاشهر الأخيرة ، وكانت مهمته هي مساعدة الأحزاب على أن تبقى موحدة وأن تتفق على مرشح لرئاسة الوزراء ، وذلك حسب ما قاله مسؤولون قريبون من المفاوضات وقد تحدثوا شرط عدم الإشارة الى اسمائهم .
وقد كان قانائي موجودا في بغداد عندما وقع احتجاج الأربعاء وحث زعماء الإطار على عدم استفزاز الصدر طبقا لما ذكره أحد هؤلاء المسؤولين .