الجمعة - 29 مارس 2024

العراق: هل الطريق سالكة نحو انتخابات مبكرة اخرى؟

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


عادل الجبوري ||

قوبلت دعوة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الى حل البرلمان واجراء انتخابات برلمانية مبكرة، التي اطلقها عبر خطابه الاخير في الثالث من شهر آب/ أغسطس الجاري، بترحيب واضح من مختلف القوى والشخصيات والفعاليات والنخب والفئات السياسية والمجتمعية، لا سيما وانها جاءت متزامنة ومعززة لحراك جماهيري مطالب بتحقيق الاصلاحات ومعالجة الاخطاء والسلبيات التي تراكمت طيلة العقدين الماضيين.
والملفت والمهم في الامر، ان خصوم التيار الصدري في الاطار التنسيقي رحبوا سريعا بدعوة الصدر، وان تباينت صيغ الترحيب ومضامينها. فرئيس الوزراء الاسبق وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي، رحب بمبادرة الصدر، مؤكدا انها تلتقي في جوانب عديدة منها مع مبادرات سابقة له من اجل حل الازمة، وداعيا “الجميع للتكاتف لخدمة الشعب واصلاح النظام وتدعيم الدولة الدستورية، من خلال عملية ديمقراطية سليمة وسلمية”.
وذهب بذات الاتجاه رئيس تحالف الفتح هادي العامري، حينما اصدر بيانا، أكد فيه تأييده “اجراء الانتخابات المبكرة التي دعا اليها سماحة السيد مقتدى الصدر، سيما وأن الانتخابات السابقة شابها الكثير من الشبهات والاعتراضات”، مشيرا الى ان ذلك “يتطلب حوارا وطنياً شاملا من أجل تحديد موعد واليات ومتطلبات اجرائها، وتوفير المناخات المناسبة لانتخابات حرة ونزيهه وشفافة تعيد ثقة المواطن بالعملية السياسية”.
في حين قال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في تغريدة له “ان الحوارات الجادة التي نأمل منها حسم الخلافات واعادة الامور الى نصابها الصحيح تبدأ بالعودة الى الدستور واحترام المؤسسات الدستورية”.
بينما أكد القيادي في الاطار التنسيقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، في حديث تلفزيوني أن ” إعادة الانتخابات البرلمانية لم تعد قضية خاصة بالتيار الصدري، بل اصبحت تخص مكونات وتحالفات أخرى ايضا”، مضيفا “أن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة سيكون حلا في حال اتفاق جميع الكتل والاطراف السياسية الاخرى، وان نظام الحكم في العراق بحسب الدستور توافقي ولا يمكن القبول بموقف واحد لجهة معينة”.
وفيما بعد فإن الاطار التنسيقي خرج بموقف رسمي بعد اجتماع شاركت فيه كل القوى المكونة له، اذ اعرب في بيان بهذا الشأن عن “دعمه لاي مسار دستوري لمعالجة الازمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب، بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الاجماع الوطني حولها وتوفير الاجواء الامنة لاجرائها، ويسبق كل ذلك العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها”.
ومما يجدر التذكير به هو ان قوى الاطار التنسيقي كانت قد اعتبرت في وقت سابق، ان الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول/ أكتوبر 2021 شابها الكثير من الاخطاء والسلبيات وعمليات التلاعب والتزوير، وطالبت في حينه بإعادتها وتلافي الوقوع بذات المطبات والاخطاء السابقة.
وبعيدا عن الاطار التنسيقي، فإن قوى وشخصيات مختلفة، مثل “حركة امتداد” التي انبثقت من تظاهرات تشرين الاول/ أكتوبر 2019، ورئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وغيرهم، رحبت وايدت فكرة حل البرلمان والذهاب الى انتخابات برلمانية ضمن الاطر والسياقات الدستورية، في ذات الوقت الذي رأت قوى وشخصيات أخرى ان حلّ البرلمان ليس بالامر السهل.
ولعل النقطة التي اتفقت عليها والتقت عندها مختلف الآراء رغم تباينها، هي الحوار بين جميع الاطراف لتهيئة الظروف المناسبة، ووضع الاليات العملية المطلوبة للذهاب الى خيار الانتخابات البرلمانية المبكرة، او بتعبير اخر الاحتكام الى الدستور في اي خطوات يراد اتخاذها في سياق الاصلاح والتغيير.
ماذا يقول الدستور؟
وهنا، فإن المادة 64 من الدستور العراقي النافذ، حددت بوضوح الاليات والسياقات والخطوات التي يفترض اتباعها لاجل حل البرلمان واجراء انتخابات برلمانية مبكرة، حيث نصت على انه:
” اولا: يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناء على طلب من ثلث اعضائه، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانيا: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ اقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الامور اليومية”.
ووفقا لذلك، فإنه ينبغي أن يعاود البرلمان استئناف عمله، لكي يبادر الى حل نفسه، وأن تكون هناك حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، تتولى تهيئة كل الامور والمسائل الفنية والاجرائية الواجب توفرها لانجاز عملية انتخابية سليمة. فضلا عن ذلك، فإن واحدًا من الامور المرتبطة بالانتخابات المبكرة – حتى لا تتكرر الاخطاء – هو تعديل قانون الانتخابات وانتخاب مفوضية جديدة، وهذا يقتضي تحديد اليات متفق عليها بين الجميع بصرف النظر عن اختلافاتهم وتقاطعاتهم السياسية. وقبل ذلك كله لا بد من حسم عقدة رئاسة الجمهورية، لأن أي خطوة يصار إلى اتخذها وفق المادة الدستورية 64، تستوجب وجود رئيس جمهورية منتخب وليس منتهي الولاية.
هذا ما يتعلق بالسياقات الدستورية، اما بخصوص الحقائق والمعطيات السياسية، فإن التيار الصدري الذي يمتلك قاعدة شعبية لا يستهان بها في الفضاء الشيعي، يقابله الاطار التنسيقي الذي يمتلك هو الاخر قاعدة شعبية كبيرة، فضلا عن الثقل الذي يشكله المستقلون، رغم افتقادهم الى الموقف المنسجم والرؤية الموحدة، الى جانب الجمهور المرجعي، الذي يراقب تفاعلات الأحداث عن كثب، ويترقب ويتوقع أن يصدر موقف من قبل المرجعية الدينية، لا سيما حينما تصل الامور الى نقاط حرجة وخطيرة من شأنها ان تهدد الوضع العام للبلاد.
ليس هذا فحسب، بل ان التيار الصدري، الذي في حال نجح بفرض الامر الواقع في الساحة الشيعية، فليس بأمكانه ان يفعل نفس الشيء في الساحتين السنية والكردية، لاختلاف اولويات ومنهجيات جمهورهما وقواهما السياسية والمجتمعية، رغم تشابه الكثير من الظروف، وبالتالي فإن تمرير رؤيته اليهما يحتاج الى تفاهمات وحوارات تنتهي الى اقناعهما بصحة وضرورة واهمية تلك الرؤية، سواء تعلقت بحل البرلمان والذهاب الى الانتخابات المبكرة او غير ذلك. ولعل تجربة الامس القريب، وتحديدا التحالف الثلاثي بين التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني- اثبتت انه ما لم يكن هناك حسم وحل ورؤية متفق عليها بين قوى المكون الشيعي، فإن اي خيار اخر مع المكونات الاخرى، سيصل الى طريق مسدود، والامر يصدق على خيار حل البرلمان والانتخابات البرلمانية المبكرة.