الخميس - 18 ابريل 2024

المنبر..بين البناء والهدم

منذ سنتين
الخميس - 18 ابريل 2024


سالم مشكور ||

المنابر الدينية، بات تأثيرها كبيراً جداً، وبات من يعتليها بغير جدارة واستقامة فكر، يشكل خطراً كبيراً على المجتمع.
قوة التأثير وسعته تأتيان من تطور وسائل الاتصال الذي جعل من كلام الخطيب يصل الى أسماع الملايين بسرعة، عبر البث التلفزيوني وصولاً الى وسائل التواصل التي تنشر الصوت والصورة بشكل عنكبوتي يفوق التصور، بعدما كان يتوقف عند حدود الجامع ورواده. أقول، يصل الى أسماع، أما الولوج الى القناعة فتوفره حالة الجهل وضعف الوعي، وهي أرضية خصبة لانتشار الخرافات واللامعقول والغلو بما يحرّف عقيدة المتلقين وينقلهم – دون وعي- الى مساحات لا يمكن لعاقل بلوغها، قد تصل بهم الى الكفر أو اعتناق الأوهام والخرافات ديناً يضعهم في مواجهة المجتمع
هنا بات لزاماً وضع ضوابط لخطاب من يعتلي المنبر، بالضبط كما هي معايير الخطاب التي وضعت للإعلام كي لا يتحول الى أداة هدم للمجتمع وقيمه وأمنه. بل أن المنبر الديني خطره أكبر- في حال انحراف من يعتليه – كونه يتحرك باسم الدين والمقدس الذي يلجم العامّة غير الواعية عن ابداء أي اعتراض، أو حتى من التفكير في معقولية ما يطرح، ناهيك عن سلاح العاطفة غير الواعية الذ يستخدمه البعض.
علينا دائما التمييز بين المنبر، ومن يعتليه والخطاب الذي يقدمه، فالخطيب هو الذي يحدد دور المنبر. المنبر الديني هو يجسد رسالة الدين: بناء إنسان صالح إيجابي في علاقاته مع خالقه ونفسه والاخرين، إنسان يتعاون مع الاخرين ليبني الحياة في ظل الاستقرار والامن وحفظ الحرمات. هكذا فعل خطباء أجلّاء تدين لهم أجيال، بما أخذوه من منابرهم من القيم والمفاهيم. أما إذا كان الخطاب المنبري يقود الى عكس ذلك، فإنه سيتحول الى أداة هدم للإنسان والمجتمع، وسيكون مضادا للدين ورسالته، وهنا يجب على المعنيين ممارسة دورهم في ردعه.
من هم المعنيون بردع خطاب التحريف والتخريف الذي ينطلق من بعض المنابر؟
عندما كانت مؤسسات الدولة تصنف على انها في خانة العداء، أو على الأقل عدم الانسجام مع المؤسسات الدينية، خصوصا الشيعية في العراق، كان التدخل الحكومي في أي من الشؤون المنابر والطقوس الدينية يعد موقفاً عدائياً يدفع الى التمسك بما يمنع. الوضع تغير منذ ٢٠٠٣، وغابت الفجوة بين الحكومة والمؤسسة الدينية، بل ان مؤسسات وقف أنشئت لرعاية شؤون كل جماعة. الحكومة واجبها منع ما يضر المجتمع فكرياً وسلوكياً. وكما تضع ضوابط للخطاب الإعلامي، فان عليها التعاون مع المرجعيات الدينية ودواوين الاوقاف لوضغ الضوابط وردع أي خطاب يشيع الجهل والتعصّب والغلو بما يشوّه صورة الدين الحقيقي، ويعرّض أمن المجتمع واستقراره الى الاهتزاز.
بموازاة ذلك، نحتاج الى رفع مستوى الوعي عبر تسليط الضوء على خطباء الغلو كي نسلب القاعدة الشعبية التي تشجعهم على التمادي في دورهم السلبي.