الخميس - 25 ابريل 2024

هم قضيتنا الكبری؛ حتی مع الحجية والزايرة والمحاجر!

منذ سنتين
الخميس - 25 ابريل 2024


د.أمل الأسدي ||

قضيتنا لاتنحصر بالزيارة الأربعينية المليونية المذهلة، تلك الزيارة التي تتحدث بلسانين وفم واحد، لسان العالمية التي تتسم بها رسالة الرسول الأعظم(صلی الله عليه وآله)،ولسان المحلية التي تعكس تفرد بيئة العراق بخصائصها الاجتماعية، وتثبت أن العراقيين قد ورثوا الكرم الهاشمي المحمدي، وورثوا سمات حضارية كقبول الآخر والتكيف معه، والقدرة علی احتوائه،وكذلك خلو بيئة الأربعينية من الأعرابية الصحراوية، وما يتفرع منها من قومية ومناطقية وعنصرية، فهي بيئة آمنة منزوعة الغل والكراهية!!
القضية لاتتوقف عند هذا الحد، ولا تنحصر بهذه الزيارة وحسب!! القضية أن وجوه العراقيين وسمرتها، تذوب في محبة محمد وآل محمد، تذوب في ولائهم، فيومنا منذ بدايته إلی نهايته لصيق بهم، بسيرتهم، بذكرهم، بقصصهم، بأسمائهم وكناهم!!
نحن نتنفس حبهم ولاسيما في أوقات الشدائد، أوقات الظلم والظلام التي عشناها في زمن النظام الأموي الذي جثم علی صدورنا ثلاثة عقود وأكثر، ففي المحاجر التي تغص بآهاتنا، كان اسم (علي بن أبي طالب) لا يفارقنا لحظة!! ومع كل نهاية تعذيب لابد أن نتحدث إليه ونشكو، ولابد أن نتدثر بإباء الحسين وبصبر زينب!!
كانوا يسخرون منّا ومن عقيدتنا حتی أثناء تعذيبنا، فتجدهم يقولون للسجين أو المعتقل: تريد الحجية لو الزايرة؟
والحجية: هي قطعة من خرطوم الماء (صوندة) غليظة بيضاء،تستعمل لضرب المعتقلين، أما الزايرة فهي صوندة غليظة سوداء تُستعمل لضرب المعتقلين أيضا، يقصدون بالحجية أنها بيضاء كالحاجّة في ملابس الإحرام، ويقصدون بالزايرة أنها سوداء كالزائرة التي ترتدي العباءة السوداء في أثناء زيارة المراقد المقدسة!!
فيهجمون كالوحوش،وينهالون علی السجين ضربا وشتما، مجموعة علی فرد واحد!! ظنوا بفعلهم هذا أنهم هزمونا وتلذذوا بعذاباتنا ودمائنا التي تسيل كخارطة حبٍّ خالدٍ وعهد أبدي!!
ـ وحتی حين تُنصَب لنا المشانق، ويسكت ضوء عيوننا، يربطون أيادينا إلی الخلف بقطعة قماش خضراء داكنة، خيطت كحبل قصير لتقييد يدي المعدوم، كان هذا الحبل يشبه(العلگ) ذلك الخيط الذي نشده بمحبة، ونشعر به مصدرا للطاقة، وكأنه يكوّن هالة مضيئة حولنا، فحتی في الشهادة نبدو بزينة”العلگ” ويتصور من ينظر إلی الشهيد المقيّد وكأنه يضع العلگ الأخضر!!
ـ هل تعلمون أننا كنّا نموت علی حبهم، ومن أجل حبهم، نموت؛ لأن هويتنا ولايتهم، وولايتهم هويتنا، وفي لحظات النهاية أو البداية، وحين يجتمع الضباع حولنا كي يسلبوا أنفاسنا، قد يصادف أن يسأل أحدُهم القادمَ إلی الموت: تريد تشرب مي؟
فيرفض شربه؛ لأن صوت الحسين العطشان، وإيمان العباس وبطولته، يحضران أمامه، فيرفض الماء تأسيا بأصحاب الطف الخالدين(ع)!!
ـ هل تعلمون أن الماضين منّا كانوا يحملون أسماءهم نفسها؟ فجُلّ أسماء الشهداء( محمد، علي، كرار ، حيدر، حسن، حسين ، كاظم، عباس،قاسم، جاسم…)
فلا يخلو بيت من بيوتنا من هذه الأسماء،كما تحمل أمهاتنا وعماتنا وخالاتنا أسماء(فاطمة ،زينب، خديجة، زهراء، رقية…).
ـ هل تعلمون أن أمهاتنا كُنّ لايفارقن قصة(حلال المشاكل)؟
ففي كل خميس تضع الأم ما يتوفر لديها من حلوی(تمر ،زبيب..) وتجلس تبكي وتقرأ:
نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِب
تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّــــــــــوَائِبِ‏
كُلُّ غَمٍّ وَهَمٍّ سَيَنْجَلِـــــي
بِوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ ياعَلِي
أو تصعد إلی السطح وقت الغروب وتضع رأسها في فوهة( التنور) وتنادي: يالزهرة احضرينا ونجي وليدي من هالشدة!
وهذا ما يعرف في المخيال الشعبي العراقي بـ(تنور الزهرة).
وقد تری الأم في مشهد يطحن الروح ، تراها واقفةً في(الحوش) كاشفة رأسها، موجهةً نظرها إلی السماء وهي تنادي:
يا صاحب الغروب ويا علي المندوب …اريد حوبتي تبين بالظلام!!
وهكذا لا يفارقنا حضور أهل البيت، فعلاقتنا بهم علاقة طردية في الشدة والرخاء، فكلما ازداد الظلم والتآمر علينا لتركهم، وتمييع هويتنا وطمسها، ازداد حبنا لهم، وازداد ارتباطنا بهم، وثبت تمسكنا بهم!
وكلما ازدادت نعم الله علينا بفضلهم وبركاتهم، ازداد ذكرنا لهم، وتمسّكنا بهم، وشكرنا لله ولهم، وإنفاقنا علی حبهم!!
إذن، نحن نذوب في محبة محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم) نصطبغ بمحبتهم، هم هويتنا، وبهم نحب العالم والأرض والوطن، والنخيل ودجلة والفرات والعنبر والقصب والبردي، وبهم تحول العراق إلی نقطة جذب إنسانيةٍ عالميةٍ نابضةٍ، وعلی ذلك خاب كل من حاول فصلنا عنهم، وسيخيب كل من يحاول ذلك أيضا !! وقد صرح الإمام الصادق(ع) بهذا قائلا: “أهل خراسان أعلامنا، وأهل قم أنصارنا، وأهل كوفة أوتادنا، وأهل هذا السواد منا ونحن منهم”.