الخميس - 28 مارس 2024

ضياء الشكرجي… علماني، ثم ماذا!

منذ 4 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024

 هيثم الغريباوي   استاذ ضياء الشكرجي المحترم قرأت مقالك (رسالة تاريخية من ضياء الشكرجي إلى المرجع الأعلى) وهو الثاني مما تغزر به من مقالات وساءني المقطع التالي فحفزني الى ان اردّ على رسالتك لأنها عنتني كعراقي شيعي (اصطلاحاً)؛ بما انك نشرتها على الشبكة العالمية، كما عنيتَ بها السيد السيستاني، ولعل السيد المرجع لا يعبأ بها وذلك الذي ارجوه. وادناه المقطع الاستفزازي.

“لذا اسمحوا لي وبكل احترام أن أقترح عليكم أن تعبروا مرة، بصياغة تناسب شأنكم كمرجع ديني أعلى، عن أنه قد تبين لكم لاحقا عدم صواب دعمكم لهؤلاء السياسيين، وكما أقترح أن تعبروا بلغة تناسب شأنكم، عن الاعتذار إلى الشعب العراقي، ليس بالضرورة باستخدام مفردة «الاعتذار»، لكن بما يؤدي المعنى ويحفظ لمقامكم الاحترام، بل لو استخدمتم اللغة المباشرة بحصول الخطأ والاعتذار عنه، فإني واثق بأن هذا سيرفع من احترامكم عند غالبية الشعب العراقي والمجتمع الدولي، ولكم اختيار الأسلوب الذي ترونه مناسبا، ويؤدي الغرض.”

استاذ ضياء الشكرجي.. لمصلحة مَنْ هذا الاستهداف الشنيع للمرجع المكّرم، اذا لم يكن لأسرائيل والبعث وداعش؟

لقد احببت ان اتحدث اليك بنفس النبرة التي تتحدث بها الى السيد السيستاني. اقول لك ولكل من تنكب متأخراً عن الخط الاخواني الشيعي ليتكم تنشطوا بلعن تجربتكم الكارثية وتعتذروا الى الله تعالى لتنجوا من سخطه، اما العراقيون فلم يلمسوا بوجودكم إلا السوء والتخبط وخيبة التدبير معارضتكم للنظام البعثي وصدام وزدتموهم خيبة وانتم تتقلقلون في السلطة بين الفساد والفشل والحيرة. انشروا فشل تجربتكم فهو وحده الكفيل بتوعية الجيل الحالي وتثقيفه للعناية بحاضره، ويا حبذا لو تغيبوا عن وجه العراق ومشهد التأثير حتى بنيّة المساعدة لأنه مؤذٍ. فهذا الجيل يعيش في بيئة وعصر لا يمكنكم ان تتصدروا طلائعه لأنكم غير متمكنين من وسائل هذا العصر. هذا الجيل الذي يتلقى معارفه من مناهل الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي، بعد ان حُرموا من الالتحاق بمدارس تؤهلهم لعصر العولمة وتحدياتها. اتفهم جيداً مقدار الحسرة التي تلهب صدرك من جرّاء التكرّس الكامل للحزب الاسلامي المغرور الذي اعتقدتم يوماً من الايام انه المذهب الحق وليس المذهب الذي عليه الحوزة والمرجعية حين عنهما وأول ما شرعتهم به هو توهينهما بوهم أنكم أعلم منهما لأنكم افندية الدين الذي يصلح لكل الازمان.

واليوم وبنفس الحماس تتقدم للعراقيين بتحولك الى العلمانية (ليت شعري، وماذا يستفيد العراقيون من علمانيتك وهل تغني عن عنتهم شيئاً؟) ومن منطلق هذه الصفة تضع نفسك وصياً (وليس ندّاً فقط) على المرجعية لتخاطبها بلغة الكفاءة (وليس ثمة كفاءة بينكما لا على مستوى المنزلة ولا حجم الدور على الأقل)، فتعود اليوم وبنفس القوة والنشاط لتطالب المرجعية بالاعتذار عن دعم قائمة احزابكم المجاهدة ودون ذلك التكفير؛ كفعل الخوارج مع الإمام امير المؤمنين عليه السلام – مع الفارق فقط ما بين الإمام والمرجع بالمقام، وانتم مازلتم كالخوارج. انا احد العراقيين الذي لا اطالبك بأن تعتذر للشعب عن كل متبنياتك السابقة لأنه لا يأبه بإعتذارك أحد كما لا يعنيه علمانيتك؛ الا اللهم ان تستغفر ومَنْ تَعَلْمَنَ معك الى الله تعالى مما سلف من اعتقادكم.

أنا ادّعي العلمانية ايضاً، لكن البعثي علماني والشيوعي علماني وكثير من طائفيي السنّة علمانيون وبارزاني علماني وطالباني علماني، لكنه يبقى محض ادّعاء ولا يتجاوز التصريح به يا استاذ ضياء! فهلّا طالبتهم باعتذار عن دماء محرّمة أسالوها في يوم من أيام نضالهم العبقري؟ أم سمعت أحدا منهم اعتذر وطلب الغفران من ذوي الضحايا؟

ان خطابك للمرجعية عبر الإعلام يبعث لي برسالة مفادها “المرجع والمرجعية في العراق… وإن!”. لماذا يا استاذ ضياء تطالب السيد المرجع بما لا تطالب به غيره، ثم وفي خطابك اياه تتنصل وتستنكف من استخدام الألقاب التي تعارف الناس على تقديمها على اسمه – ايضاً بحكم علمانيتك كما تدعي – بحيث تركز على ذلك بالنص في حين يمكنك التحدث بما يريح نفسك؟ أم انك تحرض على تهوين شأنه القدير؟

طلبك من السيد المرجع ان يعتذر للعراقيين عن دعم احزاب وتيارات شيعية في الانتخابات، ثم محاولتك التحذلق في تبيين صيغ الاعتذار وفوائد ذلك له امام العراقيين معيب للغاية بحقك فقط ولا يستقيم ابداً، وإلا لوجب على أمير المؤمنين عليه السلام ان يعتذر عن توليته عبدالله بن عباس وزياد بن ابيه، كما وجب على العراقيين ان يعتذروا لله تعالى عن خيبتهم بكم، وآخراً هل يجب على الله تعالى (حاشاه) ان يعتذر عما كنت عليه ثم تحوّلت عنه؟

لله درّ المرجع السيّد السيستاني ما أعظم بلاءه في العراق، اعداؤه فقط يطالبونه مع الجهلة من العراقيين بما لا يفقهون ويريدون فرض رؤاهم القاصرة عليه ليتبناها ثم يبثها فتاوى ضد الحكومة وضد الشعائر وضد الصغائر والكبائر من الأمور، ومن جهة اخرى يطلبون منه عدم التدخل في الشؤون السياسية. وكأن حياة العراقيين وأمن بلدهم وصيانة مصالحهم شؤون سياسية وهي حكر على المجرمين والجبناء والعملاء والمحتلين، فلا شأن للمرجع للتعاطي معها.

الكلام يطول، واختمه بوقفة على العلمانية “الوردية”؛ التي يطبّل ويروّج لها العلمانيون فهي مجرد تيار في الدول الغربية والولايات المتحدة يناهضه تيارات محافظة تربيها الكنائس وتمارس السياسة والحكم بنوازع كنسية صارخة. والرئيس الحالي للولايات المتحدة ليس آخر مثال على ذلك، ففصل الدين عن الدولة في الغرب كذبة يسوّقونها في الشرق، والدليل كل الغرب برمّته يؤمنون “بيهودية” دولة اسرائيل تصديقاً للتوراة حصراً، فأين هي العلمانية “الحلوة” من ذلك؟

يا استاذ ضياء، دع المرجعية والسيد المرجع وشأنهما – أعلى الله تعالى مقامهما – فهو لا يبحث عن اتباع بقدر ما يبحثون هم عنه. فإذهب مع باقي التيارات العلمانية وأسسوا لقاعدة جماهيرية تمكنكم من اخذ زمام القيادة من المرجعية فتقودون معها العراق الى الازدهار والتطور. فالسيد المرجع حفظه الله تعالى هو معقد يجمع العراقيين على كلمة وموقف واحد وهو أشد الأمور ضرورة في كل الاحوال وعلى مدى العصور، وليس لأحد مثل هذه السلطة والمكانة في كل العراق، وفي فقدانها لا يزداد العراقيون وخاصة الشيعة إلا تفرّقاً وتشتتاً وضياعاً. فغياب هذ الدور إنما هو مطلب ملحّ لكثير من القوى الاقليمية والخارجية المعادية للعراق من أجل ان يُتاح لها تحويله الى ليبيا ثانية. ولعلي ازيدك غماً اذ اعتقد ان لو بلغ شيعة العراق الوعي اللازم لحَسُنَ اتباعهم وازدادت بصيرتهم حدّة لواجهت بهم المرجعية تحديات اخطر وحققوا معها حياة أكرم.