الخميس - 28 مارس 2024

القواعد القرآنية للمجتمع التوحيدي ح7

منذ سنة واحدة
الخميس - 28 مارس 2024


الشيخ طالب رحمة الساعدي ||

رحلة تدبّرية مع خطاب ” ايها الذين امنوا …..” في مضان بعض التفاسير
القاعدة السادسة : الأمن الاجتماعي الكامل‏
! إنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآيتين ،
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى‏ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى‏ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمانِ وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ (12)
(النهي عن السخرية و اللمز و التنابز بالألقاب و سوء الظن و التجسس و الاغتياب) إذا نفّذت‏
في المجتمع فإنّ سمعة و كرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين- على أنه أفضل- و لا يمدّ لسانه باللمز، و لا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة و لا يحقّ له حتى أن يسي‏ء الظن بهم، و لا يتجسس عن حياة الأفراد الخاصة و لا يكشف عيوبهم الخفية (باغتيابهم).
و بتعبير آخر إنّ للإنسان رؤوس أموال أربعة و يجب أن تحفظ جميعا في حصن هذا القانون و هي: «النفس و المال و الناموس و ماء الوجه».
و التعابير الواردة في الآيتين محل البحث و الروايات الإسلامية تدل على أنّ ماء وجه الأفراد كأنفسهم و أموالهم بل هو أهم من بعض الجهات.
الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق، و لا يكتفي بأن يكفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضا فحسب، بل أسمى من ذلك بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم، بل و أرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من تفكيرهم و ظنّهم أيضا … و أن يحسّ كل منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الاتهامات في منطقة أفكاره.
و هذا الأمن في أعلى مستوى و لا يمكن تحقّقه إلّا في مجتمع رسالي مؤمن.
يقول النّبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم في هذا الصدد: «إنّ اللَّه حرّم من المسلم دمه و ماله و عرضه و أن يظنّ به السوء» .
إنّ سوء الظن لا أنّه يؤثر على الطرف المقابل و يسقط حيثيّته فحسب، بل هو بلاء عظيم على صاحبه لأنّه يكون سببا لإبعاده عن التعاون مع الناس و يخلق له عالما من الوحشة و الغربة و الانزواء كما
ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام أنّه قال: «من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد» .
و بتعبير آخر، إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان و يمنحها الحركة و الرونق‏ و التكامل هو روح التعاون الجماعي، و لا يتحقق هذا الأمر إلّا في صورة أن يكون الاعتماد على الناس (و حسن الظن بهم) حاكما … في حين أنّ سوء الظن يهدم قواعد هذا الاعتماد، و تنقطع به روابط التعاون، و تضعف به الروح الاجتماعية.
و هكذا الحال في التجسس و الغيبة أيضا.
إنّ سيئ النظرة و الظن يخافون من كلّ شي‏ء و يستوحشون من كلّ أحد و تستولي على أنفسهم نظرة الخوف، فلا يستطيعون أن يقفوا على ولي و مؤنس يطوي الهموم، و لا يجدون شريكا للنشاطات الاجتماعية، و لا معينا و نصيرا ليوم الشدّة! و لا بأس بالالتفات إلى هذه اللطيفة، و هي أنّ المراد من «الظن» هنا هو الظن الذي لا يستند إلى دليل، فعلى هذا إذا كان الظن في بعض الموارد مستندا إلى دليل فهو ظنّ معتبر، و هو مستثنى من هذا الحكم، كالظن الحاصل من شهادة نفرين عادلين‏.


ـــــــــــــ