الخميس - 18 ابريل 2024

زيارة الاربعين مدرسة لإعداد الاصحاب

منذ سنة واحدة
الخميس - 18 ابريل 2024


احلام الخفاجي ||

عادت زينب بعد فراق دام اربعين ليلة قاطعة الفيافي والقفار, وصورالطف مازالت تترائ لها ما بين تضاريس ذاكرتها الوعرة, مابين اجساد طاهرة سحقتها خيول اعوجية, واطفال استعمرهم الخوف حتى أصبحت قلوبهم هواء, وخيام التهمتها السنة نيران وقحة, ولدت من رحم جمرة هاربة, من تلك النار التي اضرمت في دارامها فاطمة, دست رأسها تحت رماد الغدر وكأن لسان حالها يقول (وإن) عادت زينب تاركة خلفها شام مكفهرة الوجه شامتة, اوجعت قلب العليل ليتناهى صدى وجعه الينا عبر الزمن صارخا (الشام الشام) وراس الدين مازال يرتل ( امْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) كل العجب من امة قتلت ابن بنت نبيها!
ما إن كشفت كربلاء النقاب عن وجهها, حتى لاحت للفاطميات قبور الال فتساقطن عليها كتساقط اوراق الشجر مابين أم وزوجة أصبح فؤادهن فارغا, وعلى الضفة الاخرى من طريق العشق الحسيني, كان هناك عاشق اخر اخذ منه الشوق مأخذه, فعرج إلى كربلاء فكان جابر خواطر الآل لتبدأ الرحلة (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق) ليكون حج الاربعين.
اصطف حشد من الخيام على جنبي الطريق خجلى, تبحث عن من تؤويه, وكأنها تريد إن تكفرعن ذنب اقترفته, خيام الطف حين خرجن بنات الآل منها مذعورات, تلفحهن نظرات عيون ألأعداء, بعد إن اضرموا في جسد كل خيمة نيران حقد بدرية وحنينية, وصدحت اصوات الخدام بالترحيب, يتسابقون لملئ قربة قلوب الزائرين بماء العشق, لينالوا شرف الساقي تأسيا بابي الفضل العباس.
إن مسيرة الاربعين هي احدى اهم صور احياء امر اهل البيت(ع) ففيها تجلت دروس العشق واضحة, وفيها تجسدت كل معاني الفضائل, ففي دروبها تماهت كل الاسماء والألقاب, واعطت دروس بالمجان كيف نتسلح بالايثار والتسامح, كيف يكون البذل المادي والمعنوي طوعا, تسابق فيه الفقراء قبل الاغنياء كأفراس الرهان, للفوز بخدمة ألمحبوب, كيف يكون المؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعض لتتجلى اية (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) جلية كالشمس في رابعة النهار, ففي حج الاربعين تتسامى النفس, وتحلق في فضاء العشق بلا اجنحة, لتقطع اشواطا سبعة مابين صفا الحسين ومروة العباس, تحفها انفاس المهدي ولتحضى بلقب خادم لزوارالحسين, ليس لأجل مثوبة لكن عشقا بسبط محمد وهذا هو الفوز المبين, وليولد من رحمها الاصحاب.
إن زيارة الاربعين درس تعبوي ميداني في مدرسة المنتظرين, لإعداد الاصحاب (العدة الموصوفة) والانصار او النواة (الحلقة) وهم يستلهمون منها دروسا اسست ابجديتها عاشوراء, عنوانها “بالثارات ألحسين” وعلى رمح حروفها رُفع راس الدين مرددا( والله لأعطيكم بيدي اعطاء الذليل) ليكون لهم الحسين(عليه السلام) اسوة حسنة في مقارعة الظلم ووضع حجرالاساس لارساء قواعد دولة العدل الالهي, وهم يوطئون لإمامهم الغائب سلطانه من خلال الانتظار الايجابي والتمهيد على خطى ألمرجعية والولاية.
قال أبو عبد الله (عليه السلام ): (ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه فيكون من أعوانه وأنصاره )”١” أي رجوت ان يؤخره بأطالة عمره حتى يدرك المهدي عليه السلام ويقاتل بين يديه, فكانت الزيارة الاربعينية احدى صور ذلك السهم الذي اصاب نحرالعدو, اصحاب وصفتهم الروايات بأنهم (ليوث في النهار رهبان في الليل قلوبهم كالقناديل) وكيف لذلك القلب لاتغادره العتمة ليكون قنديلا يكاد زيته يضئ ما إن لامست اقدام عشق المهدي ارض قلوبهم فاهتزّت وربت وانبتت من كل زوج بهيج؟!
ايها الغائب عن العين الحاضر في القلب والوجدان يايوسف الزهراء!
هاهم المنتظرون لطلعتك البهية يفتشون عنك مابين خطوات الزائرين، يبحثون عنك بين طيات كلامهم وهم يتجاذبون إطراف الحديث عندما يتسلل صدى اسمك المقدس اسماعهم لعلهم يحضون بجرعة من صوتك, تروي ظماهم منذ الف سنة ونيف, يمنّون انفسهم لعله كان موفقا لخدمتك دون غيره حين نال منك التعب لتحط رحالك في ركبه ( بنفسي أنت من امنية شائق يتمنى) فتنهمر دموع الشوق مواسية.
سيدي! متى نسير معاً في قوافل العشق لنطوف حول قبلة الأحرار ولتحج قوافل نبضنا كل ليلة إلى كعبة قلبك؟ يقينا لم تعاقب امة كما عوقبنا, حين حُجب عنا امام زماننا فهل يستطيع احد إن يستشعر حجم الوجع والالم الذي يستعر في ارواحنا؟ فقط من خَبَرَ البُعد, فمن أين لنا بيعقوب لنسأله عمّا فعل به الغياب؟!
سيدي نحن نعلم إنّ رَحْلَنا ليس فيه إلاّبضاعة مزجاة كعلمنا بأنّك عطوفٌ حنون, فادلو بدلوِ عطفك لتخرجنا من بئر الغياب فنحن الغائبون ولست أنت.

١-كتاب الغيبة للنعماني –ج1 ص 333


ـــــــــــــــــ