الجمعة - 29 مارس 2024

شهيدات العراق، مثال الخطّ الحسينيّ الزينبيّ..

منذ سنة واحدة
الجمعة - 29 مارس 2024


كوثر العزاوي ||

قال رسول الله”صلى الله عليه وآله”
{أشرف القتل قتل الشهدآء}
نهج الفصاحة، ص٦٦٨

عندما نقرأ أو نتحدث عن الشهادة والشهيد، لم يتبادر إلى الاذهان سوى الشهداء من الرجال وعِظمِ شأنهم وفضل تضحياتهم ومكانتهم عند الله تعالى، وهذا ما لايختلف عليه عاقلان ولكن..! هل يَعلمُ وتعلمون أنّ على أرض العراق أعدادًا من الحُفَر والمقابر وقد انتشرت في بقاعٍ شتى ضمّت بين أطباقِ ثراها رفاتٍ لثلّة من النساء الحرائر بمختلف الأعمار، شهيدات العقيدة والولاء لنهج آل محمد “عليهم السلام” إذ كنَّ في الجهاد والدفاع بين طريقين مستقيمين كلاهما يكمّل الآخر حسينيّ زينبيّ ومابينهما نهج قدوة نساء العالمين وسيدة المضحّين والمدافعين عن بيضة الإسلام والمذهب وعن إمام زمانها!! أجل!..حرائر العراق المغيّبات في حقبة البعث السفّاح في الثمانينات وحتى عام(٢٠٠٠) وقد شهدت حملات واسعة من الاعتقالات في الوسط النسوي الجامعي وغيره في عموم العراق حتى فاقت الأعداد حدّ التصوّر من حملة الشهادات ذوات الكفاءة والالتزام الديني حيث الستر والحجاب والفكر الجعفري العقائدي، فمضى الآلاف من النساء بمختلف الأعمار في جو قمعيّ ارهابيّ، فمضينَ شهيدات صامدات بعد تعرضهنّ لأقسى صنوف التعذيب الذي لم يخطر حتى على بال المغول والتتار! وتغييبهنّ في دهاليز دوائر الرعب الصدامية، فلم يُعرَف لهنّ مصيرًا إلّا بعد سقوط النظام الدموي، حيث تم العثور على رفاتِ البعض منهنّ في مقابر جماعية في مشاهد مهولة!!، والأعم الأغلب بقينَ مفقودات الأثر إلى يومنا هذا!! وإنّ هذه الشريحة اغلبهنّ ممّن حملنَ مشعل مقارعة البعث العميل، عُرِفنَ بتميّزهنّ الفكري الوقّاد من حيث العلم والثقافة والبصيرة والأخلاق والعطاء والأقدام والبطولة والتقوى والثبات حتى آخر نفس أزهقته سياط الجلادين وأدوات القمع القاتلة، وكانت في مقدمة هذه القافلة المشرقة، آمنة الصدر”بنت الهدى”شقيقة المرجع الشهيد السعيد محمد باقر الصدر “قدس سرهما” والتي ضربت أروع مثال للمرأة الزينبية العاملة المعاصرة قبل وبعد الاستشهاد في الصبر والثبات حدّ الشهادة!! وجلّ النساء العاملات من اللواتي تأثّرنَ بها وحذَونَ حذوها في مرحلةٍ عمرية كان من الممكن أن تبحث إحداهنّ عن السعادة والحب والاستقرار والمال والأولاد كما جرت العادة في المجتمع، لكنهنّ آثرن الآخرة على الدنيا والموت على الحياة، فكنّ خير مصداقٍ واقعيّ لقوله تعالى: {الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة} فهنيئا لهن ولكل الشهداء رجالًا ونساء، أولئك الذين أرخصوا حياتهم وشبابهم فداءًا للدين والمذهب، فكانوا ومازالوا قناديل تنير الدروب رغم تقصير المجتمع في حقهم والغفلة عن إبراز مآثرهم وبطولاتهم وتضحياتهم ونحن على ذلك من الشاهدين، ومازلنا نأمل أن ينهض المجتمع بمؤسساته الدينية والمدنية بتغطية آثارهم وإبراز تاريخهم المشرّف والكشف عن حقيقة تضحياتهم وسبل جهادهم واخلاصهم قِبال وحشية البعث الظالم وأساليبه القمعية، ليبقى ذلك تأريخًا شاهدًا على الظلم، والأمة التي تنسى عظمائها كما يقولون لا تستحق الخلود ، لذا على كلّ واحد منّا ممن أنعم الله عليه بمعايشة الشهداء وعاصَرَهم وقتًا من حياتهم، أن يتحدث عن مسيرتهم ، أخلاقهم وصفاتهم وكلماتهم النيّرة وإقدامهم وصدقهم وشجاعتهم ، فهذه بنظري أمانة في أعناقنا وعلينا أداءها، فإذا كنا نحن من أنعم علينا معايشتهم لا نتحدث عنهم، فمَن الذي سيبلّغ سيرتهم الحافلة بالدروس والبطولة!! ومَن سيُعرّف الآخرين الذين حُرموا من معرفتهم والجيل الذي لايملك أبسط مقومات المقاومة والتضحية بل الكثير ممن يجهل بأنّ على هذه الأرض مشى أناس كالملائكة في تقواهم، وكأنصار ابي عبدالله “عليه السلام” في إخلاصهم وعشقهم واستعدادهم للشهادة والفداء، وقد يكونوا من أفضل مَن جسّد الإسلام الأصيل ممن كانوا في عصرهم في ظلّ حُكم دمويّ لايعرف الرحمة فيمن يعارضه ولو بالكلمة والإشارة!!
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}القصص ٤


٢٥ربيع الثاني١٤٤٤هج
٢٢-١١-٢٠٢٢م


ـــــــــــــــــ