علي عنبر السعدي ||
من جديد ،يعلن مسعود البارزاني عن غضبه الشديد ،لقرار المحكمة بعدم تسليم أموال الى الاقليم ،دون سداد حصته في الموازنة ، ومن ثم اتهامها ووصفها بما يخرج عن حدود السياسة ،ليدخل في حقل الابتزاز .
لم يكن ذلك بالجديد ،ولن تكون المرّة الأخيرة ،فطالما ذهبت المقولات السياسة ،للتأكيد ان الرجل هو البيضة التي تعدل توازن القبان السياسي ، أو تجعله يميل حيث تميل ، حتى صار ذلك من مسلّمات السياسة في العراق : ” لاحكومة تتشكل دون البارزاني ، ولن تستمر من دونه ” .
حتى أمدّ قريب ،كانت تلك المقولة / المعادلة ،تبدو صحيحة باثبات الواقع ، لكن ما لم يتم ادراكه ، ان مكانة البارزاني لم تعد كما كانت عليه ، فالتحدث بكونه الممثل الوحيد للكورد ، اخترق في موقف الاتحاد ، الذي يمثل محافظتين من اصل 4 في الاقليم (السليمانية وحلبجة ) التي يجاهرسكانها بالتذمر من استئثار البارزاني وهيمنته على القرار السياسي والمالي ، وقد تكرس ذلك بشكل واضح ،بعد فشل الاستفتاء في تحقيق ((الاستقلال )) الذي كان مشروع البارزاني بدرجة أساس .
كان اجهاض مشروع الانفصال ،نقطة التحول في شخصية البارزاني وتوجهاته ،فقد ظهر يومها مجرداً من المساندة الدولية ، وليس من أحد ابدى استعداداً لتبني مشروعه ،لما فيه من تداعيات وامتدادات لايريدها أحد ، ثم بدأ القطب الآخر للكورد( الاتحاد الوطني ) يتفلت من أصابع البارزاني ،ليتخذ مواقفه الخاصة ،التي أظهرت واقعية أكثر وحسابات أدق.
التحولات البنيوية في العملية السياسية ، باتت تميل الى انها تتحمل ردود فعل البارزاني مهما بلغ حجمها ، وان مواقفه المتشنجة ، لم تعد تثير قلقاً فعلياً ، فهو لا يستطيع الخروج من العملية السياسية ،أو سحب نوابه ، وإن فعلها ،يكون قد ارتكب سابقة ستزيد من حراجة موقفه تجاه خصومه – في الاقليم – ويمنح مجالاً للحكومة ،ان تعتمد وسائل أخرى أكثر مرونة للتعامل مع الإقليم ،وأكثر التزاماً بالقانون في الوقت عينه .
أما المراهنة على هز الحكومة وتهديدها اعتماداً على حلفاء سابقين ، فيبدو خارج الحسابات الواقعية ،فالحلبوسي يعاني بدوره من تشتت حلفائه وتحدياتهم له ،كذلك لايمتلك مبررات كافية للوقوف مع البارزاني ، في عدم الالتزام بدفع مايتوجب عليه، وفقاً لقرارات القضاء المستندة الى الدستور، وبالتالي فالمعطيات تذهب الى انه سيحاول لعب دور الوسيط ، لكنه لن يقف مع البارزاني في أية خطوات تصعيدية .
أما المراهنة على موقف التيار للقيام بتظاهرات ضد الحكومة ، فتبدو أشبه بمن يبحث عن فانوس سحري ، فالتيار له حساباته الخاصة – وظروفه الخاصة كذلك – ليس من بينها ان يكون ضمن مناكفات البارزاني وطموحاته ، وفوق ذلك ،فلأول مرّة تتمتع الحكومة بدعم كتلة نيابية كبيرة ، ليس من السهل دفعها للاستقالة أو سحب الثقة منها ، وللمرة الأولى ،تمتلك الحكومة خيارات أكثر من خصومها ،وبالتالي مطمئنة لمتانة وضعها .
قرار المحكمة الأخير، سيكون مناسبة للحكومة كي تعيد التفاوض مع البارزاني ،حوال ضرورة الالتزام بتسليم العائدات ،وقرار المحكمة سيمنح للحكومة زخماً ، وبالتالي ستتقدم خطوة مهمة في الحدّ من استراتيجية البارزاني ( الأخذ دون العطاء ) إذا أراد الحفاظ على مواقعه السياسية كلاعب رئيس .
ــــــــــــــــ