الخميس - 28 مارس 2024

قصر شعشوع بخمسة الآف دينار..!

منذ سنة واحدة
الخميس - 28 مارس 2024

حمزة مصطفى ||

لا أحد من البغادة لا يعرف شيء من أشياء عن قصر شعشوع. ومعظم أهالي بغداد حين يريدون يسخرون من أحد يفاخر بأنه بنى بيتا أو أن البناء تأخر عنده يقولون له “قابل جاي تبني قصر شعشوع”؟ الحكاية ليست عن قصر شعشوع تحديدا بل عن “تراث بغداد العمراني” الذي جمعه بكل حرص وبالتفاصيل الموثقة بالصور الباحث الدكتور صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد الأسبق. هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن دار المحجة البيضاء في بيروت يحتوي على 17 فصلا وملحق للصور التي توثق المعالم التراثية لبغداد منذ العصر العباسي فالعثماني الى اليوم. والواقع أن كتاب تراث بغداد العمراني ليس مجرد توثيق لأهم الأبنية والمعالم التاريخية والتراثية لكنه في الوقت نفسه يمثل رؤية في كيفية الحفاظ على هذا التراث الضخم الذي لاتعرف الأجيال الجديدة أشياء كثيرة عنه. العنوان الفرعي للكتاب “مشاهدات في الأبنية العباسية والعثمانية والبغدادية” ينطوي على دلالة علاماتية إن جاز الوصف. فالمؤلف يفصل ماهو تاريخي, بمعنى إنه يمثل الحقبة العباسية ومن بعدها العثمانية, وكلاهما ترك طرازا معماريا يختلف عن الآخر عن حاضر بغداد وطرازها المعماري بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة أوائل عشرينات القرن الماضي. يقول الدكتور صلاح أن “لكل مبنى تراثي قصة في تاريخه وتفاصيل ومراحل تنفيذه, وله أسباب وأهداف وراء بنائه. ومر بتطور وتغييرات من تهديم أو إنهيار بعض أجزائه, او إضافة بناء جديد أو تأهيل وصيانة في مراحل تاريخية مختلفة”. وبينما كانت بغداد “مقصدا للرحالة منذ إبن بطوطة وحتى المستشرقين الغربيين أمثال الإنكليزي باكنغهام والهولندي نيهولت والألماني نيبور والفرنسي ليجان والأنكليزي لونكريك والأنكليرية مس بيل ” فإن “كل مبنى تراثي بغدادي يحمل سمات شخصية المجتمع البغدادي وتفاصيل حياته الاجتماعية والإقتصادية ومامر به من أوقات إزدهار أو شدة, نمو وإنكماش, تحضر وتخلف, تقدم وتراجع”. وبالتالي فإن هذا التاريخ كله تجسد على شكل عمارة كانت ومازال لها حضورها المفعم بالحيوية والنشاط والتي بقدر ماتعكس عمق المجتمع البغدادي وحبه للحياة فإنها تعكس من جانب آخر ذائقته البصرية والتي تمثلت بالعمارة البغدادية بكل معالمها المميزة.
وفي الوقت الذي يستعرض المؤلف أوجه هذه العمارة ممثلة بالباب الوسطاني أو قصر شعشوع أو القشلة او باب الطلسم او السراي أو المدرسة المستنصرية او القصر العباسي او العتبة الكاظمية وسواها من المعالم التاريخية والتراثية لاسيما في جانبها المعماري فإن ما إستوقفني هو قصر شعشوغ. قصر شعشوع لكن من زاوية أخرى. فهذا القصر الذي بناه التاجر اليهودي شاؤول شعشوع حيث إستمر بناؤه على مدى عامين إشتراه عام 1953 الوجيه البغدادي كما يقول دكتور صلاح “أحمد بنية بسعر خمسة الآف دينار عراقي وإنتقل اليه مع عائلته”. إذا كان قصر بمستوى قصر شعشوع بمواصفات عصره تم بيعه بخمسة الاف دينار فكم كان سعر قطعة الأرض في أرقى مكان في بغداد آنذاك؟ لا أتوقع إنها يمكن أن تزيد عن “فلاسين” عندما كان الفلس يقرأ ويكتب قبل غزوة الملايين والمليارات بل والترليونات التي جعلت سعر المتر في بغداد التي تقول عنها منظمة الشفافية غير صالحة للعيش أغلى من أي مدينة ربما بالعالم. السبب لا يعود الى الخمسة الآف التي كانت لها طنة ورنة لكنه يعود الى الفساد وغسيل الأموال و”سرقة القرن” وغير القرن بحيث بمقدورك نقل ملايين الدولارات من بيتك الى المصرف أو بالعكس في حال كنت حوتا أحدبا بسيارة تاكسي بخمسة الآف دينار.