ثقافية

ليالي الحلمية تحفة فنية في ذاكرة الأسی

د.أمـــل الأسدي ||

لايتمالك المرء نفسه وهو يستمع إلی مقدمة مسلسل “ليالي الحلمية” وعن نفسي أقاوم دموعي ولكنها تنتصر عليّ معلنةً انطلاق رحلة الأسی، فتحملني مركبة الزمن السحرية المستبدة إلی الطفولة، حيث بيوتنا البسيطة الجميلة،الأنيقة النظيفة، الدافئة في قسوة البرد، العذبة الباردة في لهيب القيظ!
هناك… حيث البيوت التي يعصرها الأسی، تجد لكلمات ” سيد حجاب” أثرا بالغا في النفس!!
منين بيجي الشجن من اختلاف الزمن
ومنين بيجي الهوى من ائتلاف الهوى
ومنين بيجي السواد من الطمع والعناد
ومنين بيجي الرضا .. من الايمان بالقضا
من انكسار الروح في دوح الوطن
يجي احتضار الشوق في سجن البدن
من اختمار الحلم يجي النهار
يعود غريب الدار لـ أهل وسكن
فكل الأشياء الجامدة مقيمة معنا، حتی صرنا نتصور أنها تمتلك روحا وإحساسا!! فهي ترافقنا لسنــــــــوات، لا تتغير ولاتبلی، تشهد كل عذاباتنا، وتشاهد دموعنا، وتحرقها أنفاس الاشتياق!!
إنها مفارقة قاسية جدا، الأشياء الجامدة ترافقك ولاتفارقك، بينما الأرواح الحية التي تحبها تفارقك وتمضي بعيدا!!
تبتلعها السجون والمقابر، تبدد أحلامها الحدود والمحاجر!!
فـالكرويتة في الهول كما هي، بغطائها الهمايون الفستقي، وبردات العاصفير كما هي!!
والتلفزيون الملون وجوانبه الخشبية الناعمة كما هو!!
والميز الستيل كما هو!!
والقماقم والدلال كما هي!!
بينما تغادرنا الوجوه، وتسافر الضحكات، وتغيب الأصوات الآدمية!!
وقد تجد ـ الآن ـ في خزانة الذكريات قلمَ رصاص قديم، براه الحرمان ولم يبق منه إلا القليل!! أبقاه كي يكون شاهدا علی أقسی أيام حياتنا!!
وقد تجد بين أغراضك(طاوة فافون كبيرة) طاوة البيض والبصل الذي تعده الأم يوم الجمعة، تجدها كما هي، بينما اختفت معظم الأيادي، واختفت القلوب التي تتجمع حولها!!
آه!!!! أليس من الحماقة أننا لانملك مؤسسة فنية تنتج أعمالا توثق تلك الحقبة؟؟ مابين الثمانينات والتسعينات، حيث الألم والأمل!!
حيث صمت الأماني الرهيب الذي نعجز عن كسره، حيث صخب الأرواح المتوجعة!!
هناك… كانت مشاهدة” ليالي الحلمية” طقسا رائعا، يمتص أحزاننا، ويهون علينا ما نقاسيه، “نازك السلحدار المتكبرة، وسليم البدري، وعلية ابنة الفقراء، وسليمان غانم الطموح” أصدقاء السياحة الفنية التي تنتشلنا من الواقع الثقيل!!
“قمر وزينهم السماحي” وأحلامنا في التغيير والتخلص من الفقر والحروب والتوابيت، فقد يعود “غريب الدار لاهله”
قد يعود؟!
كلا، للأسف!! مضی الزمن ولم يعد الغريب!!
انتهت حكايات” ليالي الحلمية” ولم تنته آلامنا!!
ولم تُرمَّم الأرواح المنكسرة!!
وبقينا نتوسل ونصيح: بس تعالوا.!!
هكذا كانت” ليالي الحلمية” تحفة فنية مدهشة تخفف عنا قسوة الواقع، وتوجه عيوننا نحو أبواب الأمل البعيد!
ومازلنا نردد
ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء
وواخدنا ليه فى طريق ما منوش رجوع
أقسى همومنا يفجر السخرية
وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع!!


ــــــــــــــــــــ

عن الكاتب

د. امل الأسدي

اترك رد إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.