السبت - 20 ابريل 2024

أوربا ونزاع طويل الامد في اوكرانيا..!

منذ سنة واحدة
السبت - 20 ابريل 2024


السفير الدكتور جواد الهنداوي ||

• رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات/ بروكسل

في مؤتمر ميونيخ:تعلن اوربا استعدادها لنزاع طويل الامد في اوكرانيا. مغزى التصريح و توقيته؟

يستحقُ المؤمر لهذا العام ، والمنعقد منذ يوم اول امس ، الجمعة ٢٠٢٣/٢/١٧ ، في مدينة ميونيخ الالمانية ، عنوان ” مؤتمر ميونيخ للحرب ، بدلاً من مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي . و للأمانة ، وبدون تجنّي على نوايا و ارادات الهيئة التأسيسّية للمؤتمر ، و الذي ابتدأ ( واقصد المؤتمر ) انعقاده السنوي و بانتظام ،منذ عام ١٩٦٣ ،لم ينعمْ العالم بالامن و بالسلام ،بل العكس . ليستنفر القارئ ذاكرته ويّعد الحروب و المآسي التي واجهتها شعوب مستضعفة منذ انطلاق المؤتمر وحتى يومنا هذا ! حروب عسكرية واقتصادية و حصار و احتلال في آسيا و افريقيا وامريكا اللاتينية و اوربا ؛ وفي مقدمة هذه الحروب و المآسي ، حرب واحتلال فلسطين . هل يخطرُ على بال المؤتَمرين نقاش موضوع حقوق الشعب الفلسطيني و مصير الدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الامم المتحدة و الشرعية الدولية ؟ هل يُفكّر القادة المؤتَمرين بأن أمن شعوب العالم يقتضي انهاء احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً ، ويقتضي تطبيق القانون الدولي و الشرعية الدولية على كيان اسرائيل ؟
مؤتمر ميونيخ للأمن خُدعة و اكذوبة ، وحقيقته هو تكريس لارادة القوة على القانون والعدل ،هو تجديد وتأكيد لارادة تطبيق المعايير المزدوجة ، هو تبادل آراء وتشاور لديمومة منظمومة الاستبداد و هيمنة القطب الامبريالي الصهيوني .
مؤتمر ميونيخ للأمن هو ،في عنوانه ،لا يختلف عن ” بدعة ”
عبارة ” أمن واستقرار المنطقة ” المعمول به منذ خمسينيات القرن الماضي ،لتكريس احتلال اسرائيل ،وضمان امنها وتفوقها ،واليوم لارساء هيمنتها في المنطقة . مرّت المنطقة بمنعطفات ( حروب ،اتفاقيات سلام ،اتفاقيات اوسلوا ،و الآن تطبيع ) عدّت جميعها بفيزة ” امن و استقرار المنطقة ” ، ولم ترْ المنطقة لا أمن و لا استقرار .
ويكذبُ الامريكان حين يسّوقون للتطبيع مع اسرائيل حُجّة امن واستقرار المنطقة! حيثُ أدّعتْ نائبة وزير الدفاع الامريكي للشرق الاوسط دانا سترول ، في الاجتماع الذي انعقد في الرياض في اطار مجموعة عمل حول الدفاع والامن بين امريكا ومجلس التعاون الخليجي ،قبيل اجتماعهم في براغ ،والذي يتزامن مع اجتماع ميونيخ ، قالت ” جلوس مناطق اخرى ( تقصد دول اخرى ) بالجلوس على نفس الطاولة مع اسرائيل تخدم الامن و الاستقرار في المنطقة ” .
صّرحَ الرئيس الفرنسي ماكرون في المؤتمر ،يوم الجمعة والموافق ٢٠٢٣/٢/١٧ ، ” اننا جاهزون لنزاع طويل الامد في اوكرانيا ” . وقال ايضاً ” ان الوقت الآن ليس للحوار ” .
و زادَ المستشار الالماني شولتس ،على ما قاله ماكرون ، بطلبه الى الحكومات الاوربية بالاسراع على تزويد اوكرانيا بالدبابات ، وتعهد بتزويدها بمركبات ليوبارد 2 .
اذاً التصريح يدّلُ على نيّة و ارداة اوربا بنزاع مُسلّح طويل الامد في اوكرانيا ، وليس فقط بنزاع !
جاء تصريح الرئيس ما كرون ليسبق خطاب الرئيس بوتين والمنتظر يوم الثلاثاء القادم ،الموافق ٢٠٢٣/٢/٢١ . وتُشير معلومات عن خطاب حرب و انتصار ،ساحة الحرب هي اوكرانيا ، ومساحة الانتصار اكبر سياسياً و ميدانياً ؛ سيكون انتصار ضّد الهيمنة الامبريالية العالمية ، وضّد سياسة القطب الواحد .و ما يؤكّد ما نكتبه هو استراتيجية السياسة الخارجية الروسية ،التي اعلن عنها السيد وزير خارجية روسيا قبل يوميّن ، وفحواها هو مقارعة الامبريالية الامريكية و دعم العدالة و القانون الدولي ، والغاء سياسة فرض الهيمنة الامريكية و ازدواجية المعايير .
موقف اوربا في مؤتمر ميونيخ ،والذي يعلن استعدادها لنزاع طويل الامد ، جعلها تتقدم على امريكا في صدارة النزاع المسلّح ، اي بعد عام على الحرب ،اصبحت الحرب ،الآن حرب روسيّة اوربية امريكية ،وليس حرب روسية امريكية اوربية ! لكن المستفيد الاول هو امريكا .
نجحت امريكا في تحقيق الهدف الاول من النزاع وهو ان تكون هويّته فكرياً وسياسياً اوربيه وليس فقط من الناحية الجغرافية .
ستتفرغ امريكا اذاً الى الصين ومناطيدها و مفاجئاتها ، و تترك اوربا و الناتو لينشغلان في اوكرانيا و روسيا .
لم يقدِمْ الرئيس الفرنسي على التصريح بأستعداد اوربا لنزاع مسلّح طويل الامد الّا بعد اطمئنانه على موقف وتضامن و استعداد الماني مماثل ، اصبحت المانيا الآن سياسياً و اقتصادياً تدور في فلك الناتو و امريكا ، تحررّت على ما يبدوا من اعتمادها على الغاز الالماني ، و اصبحت بعيدة عن موقعها المعروف بالحيادي النسبي و البعيد عن التسليح و الانخراط في النزاعات المُسّلحة . وهذه عوامل تنذُرُ بحربٍ طويلة من حيث الزمن و واسعة المساحة من حيث الجغرافية .
ليست الشعوب الاوربية بغفلةٍ عن ما يرتكبه قادتهم ،وعن ما ينتظرهم من تداعيات و خطر انزلاق نحو حرب كوّنية ، ويدرك النُخب ، وحتى قادة اوربا ، بعدم قبول الرئيس بوتين غير الانتصار ، وسيكون رهان الاطراف المتنازعة على معنى و مفهوم ” الانتصار “


ــــــــــــــــــــ