الخميس - 28 مارس 2024
منذ سنة واحدة
الخميس - 28 مارس 2024


حسن كريم الراصد ||

قصة أفتراضية…

كان يسير في شوارعه كعادته . يهيم على وجهه ويستمع لصراخ الباعة على أرصفة الشارع فالباب الشرقي مازال يحتفظ بعبق الماضي رغم ما دخلت عليه من تغييرات وهدمت منه مبان أثريةكانت تذهله . سار بجسده الستيني النحيل متمايلا ينظر للوجوه ويستمع لالفاظ السوقه البذيئة . وصل الى ساحة الخلاني فوقف أمام قبة الضريح يتأمل هذا الارتباط الغريب بين اعظم سوق في بغداد وبين سفير المنقذ .. أستغرق في الولوج في عمق التاريخ وجذور هذه المدينة العتيقة حتى ظن أن المارة يلبسون ثيابا تعود لقرون . أنهم يعتمرون القلنسوات والعمائم ويتحدثون بلسان عربي فصيح .. شعر بالأغماء وفقدان الوعي ولكنه لم يسقط للارض بل شعر بخفة في جسده ولم يكن يجهده المشي وكأنه مركب صغير ينساب في نهر جار بهدوء .. أخترق الجموع المزدحمة وكأنه بجسد هلامي بلا حجم ولا كتلة .
لم يكن يصطدم بأجساد المارة .. ثم فقد شعوره بأن له جسد وشعر بأنه يخلع حلة الطين كما يخلع قميصه .. أنه يتخلص من هيكله الطيني فجأة ويعوم بين الاجساد بروحه اللطيفة .. كأنه طائر يرى الموجودات من أعلى ويحيط بها وبالاشياء التي على الارض .. شعور لا يدرك كنهه غير الموتى الذين غادروا أجسادهم ولكنهم لم يعودوا ليخبرونا بمشاعرهم حيال ذلك . وبعد أن أصبح الوجود بلا شمس أو قمر وكأنه يوم غائم ِ غابت الموجودات عن ناظريه ودخل عالم آخر يدرك الاشياء فيه بلا حواس . بلا عيون ترى . ولا آذان تسمع . ولا يدين تتلمس الاشياء .
كان يدرك الاشياء أدراكا مباشرا بلا واسطة الحواس . طافت روحه بعوالم ملكوتية دنيوية ملامسة لواقعنا لمسا لطيفا فدخل عالما جميلا ينتمي للصحارى وما هو بالصحراء . فرماله غير تلك التي نعرفها وشمسه غير شمسنا وحتى الهواء لم يكن أوكسجينا يستنشقه بل عنصرا آخر لا يستنشق بل يمنح الحياة دون عناء .. كانت الغيوم أو ما يشبهها قريبة من الأرض تظلل ما تحتها بلطف . وكانت هنالك وديان وتلال بعضها من نور وبعضها بألوان لم يرها ولم يتمكن من وصفها وكان هنالك جماعة يسبغون وضوءهم من نهر ليس كمثله في الدنيا ولكنه في الدنيا .
ثم قاموا واصطفوا خلف رجل لم يتمكن من رؤية وجهه لهالة النور التي حجبت عنه ملامحه . فأذن وأقام بهم وهم لا يتعدون العشرة وقبل أن يكبروا التفت الي منهم رجلا مهيب وانا أقف بعيدا الوذ بنفسي ولا أعلم ما أصنع فقال له : أدخل وصل خلف الأمام فتوضأ سريعا في النهر واصطف معهم وصلى وما أن انتهت الصلاة حتى عاد وصوت الباعة يفجر أغشية آذانه وهو ينادي على بضاعته وشعر بثقل جسده وارتدى قميصه الطيني من جديد وجلس على مقعد في الحديقة المجاورة يبكي على عودته من الماضي . او عودته من المستقبل . وكانت مكبرات مسجد الخلاني مازالت تردد .. الله أكبر .. الله أكبر .. فحزن بقية سنينة مشتاقا للعودة لذلك العالم الذي لا ينال الا بتنقية القلب من أدران الخطيئة ونيل الكمالات الروحية في عالم يضج بالموبقات ..

ــــــــــ