الجمعة - 29 مارس 2024

العشرون بعد العشرين من آذار

منذ سنة واحدة
الجمعة - 29 مارس 2024


سارة سلام ||

لم أكن أعلم أي يوم ستبدأ الحرب وكنت آمل ان لاتبدأ ابدا، فأنا لا أعرف ماهية الحرب سوى القتلى و أصوات الغارات و المدافع التي نُصبت قبل أيام قليلة على مقربة من بيتنا، أ ليس من الغباء ان تنصب مواقع دفاعية بين دور المدنيين و مدارس الأطفال و رياضهم؟
و فجر آذار ٢٠٠٣ عند الساعة الثالثة والنصف صباحا، حيث العتمة و الخوف و الحذر ، و أحاديث راديو (البي بي سي) التي تدور في أذني عن الخيارات التي مُنحت لصدام حسين و عن نوعية الأسلحة التي سُتستخدم ضد العراق اذا ما رفض (صدام) هذه الخيارات، كنت أشغل نفسي بما كان معروض على شاشة (فضائية العراق) و اذكر جيدا انه فيلم (عمر المختار) بطولة “إنتوني كوين” فأهرب من التفكير بأن الحرب ستبدأ لأفكر أي الأدوار اكثر اتقاناً لكوين أ هي شخصية عمر المختار أم حمزة عم الرسول في فيلم الرسالة ؟! فأوبخ نفسي ما هذه الأسئلة السخيفة ما علاقتي و كوين هذا ؟! ماذا لو اندلعت الحرب و سقط صاروخ على بيتنا هل سيحصل بنا كما حصل بمجزرة “ملجأ العامرية” الذي كلما عُرض على التلفاز أشم رائحة شواء الموتى .. هكذا مضت ساعتان مشتتة من التفكير حتى وصلت الساعة (5:20)صباحا لتُطلق أول غارة معلنةً بداية الحرب .. أيقظت أمي لأخبرها لكنها لم تصدق و قالت لي “نامي هذه الغارة تجريبية” و أنا لم اصدقها و ايقنت ان الحرب اندلعت و بعد سماع أول صاروخ أيقظت الجميع معلنة بداية الحرب على طريقتي .. تملكني الغرور بأنني أحسست بداية الحرب دون دراية .. قُصفت وزارة التخطيط كأول هدف للطائرات الاميركية و كان الصوت قريباً جداً، و دعونا ننتبه لماذا هذا الاستهداف؟… عند السابعة صباحا بدى الشارع هادئا و ساكناً جداً ، ذهبنا لشراء ما يمكن شراؤه من خبز و حاجيات، فلا أحد يعلم كم ستستمر علما ان أمي و قريناتها كن قد اختزن ما يمكن خزنه من الأشياء الضرورية قبل شهرين ، وحده أبي الذي مطمئنا و يردد “بإن هذه الحرب لن تستمر طويلاً .. و الخشية مما بعدها”.. كلماته هذه كان تطمئني بأن عدد الموتى سيقل اذا ما قصرت هذه الحرب و ان فرصنا بالنجاة أكبر .. لم أكن أخشى الموت بل كنت اخشى الموت البشع أو أن اخسر أحدا منا… لكن من الجيد اننا كنا نجتمع بغرفة واحدة فهذا يبدد الخوف خاصة اذا ما انشغل باللعب .. لتصبح بعد ايام لعبتنا المفضلة هي ان نصعد الى السطح بصحبة “أبي” كي نرى تحرك الطائرات الاميركية و كيف تُطلق صواريخها على طريقة (+) أي يُطلق الصاروخ من الطائرة على بعد مسافة و يتحرك بطريقة (+) ثم يحدد هدفه و يدمر .. يدمر المباني و الاحلام و الناس معاً .. و أسأل “الي اخترع هذا الاختراع شكال لنفسه؟!”.. الأصعب من هذا انني غادرت أهلي بعد أيام و كأني لن اراهم بعدها و اذكر انني كتبت شيئا يحمل عنوان “حرب الأديان” كنت مؤمنة بإن اسرائيل و امريكا يخشون شيئا أكبر من النفط و صدام و كل ما قيل ، حتى خطة التدمير و القتلى كنت افسرها على انها لزيادة النفط لكوني تعلمت في الكيمياء بأن “النفط ما هو إلا كانت حية تفسخت حتى تحولت الى نفط” علما اني دراجتي كانت سيئة في الكيمياء .. اكره المعادلات لكني افهم ما تحويه هذه الكيمياء المعقدة … لكن هذه المعادلات هي من أوصلت صدام ليحكم و من اوصلته ليسقط في التاسع من نيسان أي بعد (20 يوماً) من الارق و تبدد الخوف و كنا قد ايقنا ان الحرب قد انتهت بهذا اليوم … خرجت بعد أيام قليلة من شمال بغداد الى جنوبها لأرى حجم الدمار و حجم ما سُرق .. و أدركت حينها ان فجر اذا لن ينتهي في العراق… عقدان من الزمن و العراق يكابد محنة من مشاهد الاغتيالات للكفاءات والقتل على الهوية الى الجثث المجهولة كتتمة لسلسلة المقابر الجماعية منتقلا الى مرحلة اللاعمار فالبنيان والانسان وصولا الى مخطط اجتياح تنظيم داعش وما مخلفه من دمار وما اعقبه من مؤمرات قد نكون شهدنا حتى الان جزءً منها ليس لا .. فالعشرون بعد العشرين من آذار لم ينتهِ بعد و مظاهر الاحتلال لم تُحل باسقاط البنود حبرا على ورق!


ـــــــــــــ