الخميس - 28 مارس 2024

فاطمة الزهراء عليها السلام تُفشل أخطر مخطط انقلابي في التاريخ البشري

منذ 4 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024

خضير العواد

مصاب الزهراء عليها السلام لم يكن مصابا عاديا تصاب به أي امرأة أو عائلة نتيجة تعدي بعض الأشخاص على بيتهم وجرى الذي جرى ، بل كان مصاب يمس أهل السماء قبل أهل الأرض وتأثرت به الرسالات السماوية جمعاء قبل رسالة الإسلام و أنطعن به التاريخ الإنساني قبل تاريخ جزيرة العرب ، لأن هذا المصاب قد أفشل أضخم وأخطر مخطط انقلابي على وجه المعمورة أرادوا من هذا المخطط أن يغيّروا طريق آخر الرسالات السماوية التي بعثها الله سبحانه وتعالى الى الخلق ويبعدوا البشرية عن تعاليم دين الله القويم الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يُعبَدَ بها ، اي لولا هذا المصاب والتصدي من قبل الصديقة الكبرى عليها السلام لكانت البشرية اليوم تعيش في ظلمات الجهل والتخلف والانحطاط الاخلاقي والعلمي ،لأن جميع النتاج العلمي والأخلاقي كان مصدره محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، فهذا المصاب أو الثورة التي قامت بها فاطمة الزهراء عليه السلام حفظت لنا الإسلام كدين بالإضافة الى حفظها لقادة الإسلام الحق وهم أهل البيت سلام الله عليهم اجمعين : نحاول في هذه السطور نبين حقيقة المخطط الانقلابي وطرق مواجهته من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) وأهل البيت عليهم السلام .
المخطط الذي واجه به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المخطط الانقلابي :
والتساؤل هنا هل يوجد مخطط انقلابي حقاً : في هذه السطور نحاول ان نسلط الضوء على الأيام الأخيرة من حياة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بالخصوص بعد بيعة الغدير التي تمت لأمير المؤمنين عليه السلام في 18 ذي الحجة عام 10 هجري والإحداث التي دارت حوله ، لقد كشف تفاصيل هذا المخطط أمير المؤمنين عليه السلام عندما حاول أصحاب السقيفة ان يجبروه على المبايعة عندها قال أمير المؤمنين عليه السلام لهم ( لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة : (( إن قتل الله محمد أو مات لتزوَّن هذا الأمر عنا أهل البيت)) فقال أبو بكر فما علمك بذلك ؟ ما أطلعناك عليها ” فقال عليه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالإسلام ، أما سمعتم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول ذلك وأنتم تسمعون : أن فلاناً وفلاناً حتى عد الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيماناً على ما صنعوا إن قتلت أو مت ، فقالوا أللهم نعم)) ..(1) ، نقلا عن حذيفة بن اليمان حافظ سر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها وملخص ذلك أن أول تعاقد على غصب الخلافة هو ابو بكر وعمر ، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو : ((إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا)) ، ثم أتصل بهما أبو عبيدة ومعاذ بن جبل وأخيراً ألتحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتاباً ((إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل احد منهم الخلافة ما بقينا)) وكانت عائشة وحفصة عين لأبويهما في منزل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في جميع القضايا ، ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا الى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فأتفقوا على أن ينفروا بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة ، وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك …. فلما دخلوا المدينة اجتمعوا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإن الأمر الى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج عنهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلاً : هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلاً أخر منهم ابو سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، صفوان بن أمية بن خلف ، سعيد بن العاص ، خالد بن الوليد ، عياش بن أبي ربيعة ، بشير بن سعيد ، سهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، صهيب بن سنان ، ، أبو الأعور الأسلمي ، مطيع بن الأسود المدري ، وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون ، وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي ..ثم دفعت الصحيفة الى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها الى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة الى أوان عمر بن الخطاب فأستخرجها من موضعها…. ( 2) .
وقد ذكر لنا الصحابي الجليل أبا ذر الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر ، شَبَه عيسى إبن مريم ، فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله ؟ أفنعرفُ ذلك له قال نعم فاعرفوه) ( 3) ) اسماء اصحاب الصحيفة وكذلك اصحاب العقبة الذي كادوا أن ينفروا بناقة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لولا عناية الله سبحانه وتعالى ، قال سليم يا ابا ذر معاقدة الخمسة متى كانت ؟ قال في حجة الوداع ، قلت : أخبرني اصلحك الله عن الأثنى عشر اصحاب العقبة الملثمين الذين أرادوا أن ينفروا برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومتى كان ذلك ؟ قال : بغدير خم مقبل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من حجة الوداع ، قلت أصلحك الله ، تعرفهم ؟ قال أي والله كلهم ، قلت من اين تعرفهم وقد اسرهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الى حذيفة ؟ قال : عمار بن ياسر كان قائداً وحذيفة كان سائقاً فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عماراً ، قلت تسميهم لي ؟ قال خمسة أصحاب الصحيفة وخمسة اصحاب الشورى وعمرو بن العاص ومعاوية (4) (أي أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى ابي حذيفة وسعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعثمان وعمر بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان).
ومن خلال هذه الروايات التي تملأ كتب التاريخ عرفنا حجم المؤامرة وخطورتها كماً ونوعاً والذي زادَ في خطورتها أنها لم تخرج في خطاباتها وكلماتها وطرحها عن الإسلام ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهنا يكون مكمن الخطر الذي كاد أن يدمر كل شيء أسسه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لولا تصدي بيت الرسالة لهذا المخطط الرهيب ويظهر لنا أهمية مصاب الزهراء عليها السلام بالنسبة للرسالة المحمدية السمحاء بشكل خاص والتاريخ البشري بشكل عام : وهنا نعرض محتوى الصحيفة ومن بعدها نقدم المخطط الرسالي الذي قدمه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) لمواجهة هذا الإنقلاب الخطير :
وكانت نسخة الصحيفة : ” بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، اتفقوا جميعا بعد أن أجهدوا في رأيهم ، وتشاوروا في أمرهم ، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الاسلام وأهله على غابر الأيام ، وباقي ألدهور ليقتدي بهم من يأتي من المسلمين من بعدهم.
أما بعد فان الله بمنه وكرمه بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده ، فأدى من ذلك ، وبلغ ما أمره الله به ، وأوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين ، وفرض الفرائض ، وأحكم السنن ، اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا من بعده ، وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم ، وإن للمسلمين في رسول الله أسوة حسنة ، قال الله تعالى( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر) .
وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد ، فيكون إرثا دون سائر المسلمين ، ولئلا يكون دولة بين الأغنياء منهم ، ولئلا يقول المستخلف إن هذا الامر باق في عقبه من والد إلى ولد إلى يوم القيامة ، والذي يجب على المسلمين عند مضى خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذو الرأي والصلاح فيتشاوروا في أمورهم ، فمن رأوه مستحقا لها ولوه أمورهم ، وجعلوه القيم عليهم ، فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة .
فأن أدعى مدع من الناس جميعاً أن رسول الله (صلى الله عليه واله) أستخلف رجلاً بعينه نصبه للناس ونص عليه باسمه ونسبه ، فقد أبطل في قوله ، وأتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) ، وخالف على جماعة المسلمين ، وإن ادعى مدع أن خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إرث ، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) . يورث ، فقد أحال في قوله ، لان رسول الله قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) .
وإن ادعى مدع أن الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من بين الناس وأنها مقصورة فيه ، ولا تنبغي لغيره ، لأنها تتلو النبوة ، فقد كذب لان النبي (صلى الله عليه وآله) قال : ” (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)
وإن ادعى مدع أنه مستحق للخلافة والإمامة بقربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم هي مقصورة عليه وعلى عقبه ، يرثها الولد منهم عن والده ، ثم هي كذلك في كل عصر وزمان لا تصلح لغيرهم ، ولا ينبغي أن يكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فليس له ولا لولده ، وإن دنا من النبي نسبه ، لان الله يقول وقوله القاضي على كل أحد ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) (إن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وكلهم يد على من سواهم) .
فمن آمن بكتاب الله وأقر بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد استقام وأناب ، وأخذ بالصواب ، ومن كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحق والكتاب ، وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه ، فان في قتله صلاحا للأمة ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جاء إلى أمتي وهم جميع ففرقهم فاقتلوه ، واقتلوا الفرد كائنا من كان من الناس ، فان الاجتماع رحمة ، والفرقة عذاب ، ولا تجتمع أمتي على الضلال آبدا ، وإن المسلمين يد واحدة على من سواهم ، وأنه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق ومعاند لهم ، ومظاهر عليهم أعداءهم فقد أباح الله ورسوله دمه وأحل قتله. ( 5 )”
وقد أظهر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خطورة الأمر وأهميته عندما واجه القوم بالحقائق وما قاموا به ليعرفه من كان يعيش حوله من الأنصار والمهاجرين لتكون عليهم حجة بالغة وللأجيال أدلة دامغة وشعلة يهتدون بها .
ثم انصرفوا ( من اجتماعهم في بيت ابي بكر) وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس صلاة الفجر ، ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس ، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال له : بخ بخ من مثلك وقد اصبحت أمين هذه الأمة ؟ ثم تلا ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) لقد اشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيَّتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا) ، ثم قال لقد اصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلقوها في الكعبة وإن الله تعالى يمتعهم ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم ، تفرقة من الخبيث والطيب ، ولولا أنه سبحانه أمرني بالأعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقد متهم فضربت أعناقهم ، قال حذيفة : فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر قول رسول الله ( صلى الله عليه واله ) هذه المقالة وقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم من نفسه شيئا ولم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله) ذلك اليوم أن رسول الله (صلى الله عليه واله ) إياهم عنى بقوله ، ولهم ضرب تلك الأمثال بما تلا من القرآن ….(6)
فأمر بهذه الخطورة لا يمكن ان يواجهه إلا من هو أعظم منهم مكانةً وشأناً وقدسية وصلابةً وشجاعةً فكانت الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام ، لأن الامة مهما ذكر لها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن فضائل الأمام علي عليه السلام فإنها قد تغاضت عنها نتيجة الماكينة الإعلامية التي شوهت مكانة الإمام علي عليه السلام بالإضافة الى المكانة الدينية والاجتماعية للانقلابين . ومن أعمال هذه الماكينة الإعلامية فقد اختلق ابو بكر حديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا وأختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله لم يكن ليجمع لنا اهل البيت النبوة والخلافة)( 7) ، وشهد لأبي بكر عمر وأبي عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى ابي حذيفة ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة (إن قتل الله محمد أو مات لتزوّن هذا الأمر عنا أهل البيت)، فمخطط بهذا الدهاء والمكر قادته كانوا الخط الأول من الصحابة وكلماته من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) فهل سيكتب له الفشل ؟؟؟؟ ، لولا الصديقة الكبرى عليها السلام الذي واجهته وأظهرت زيفه وضلاله .
بعد أن عرفنا القيادات التي تقود المخطط الانقلابي والصبغة الدينية التي طغت على محتوى الصحيفة والدهاء الذي أمتاز به هؤلاء المشتركون في اجتماع بيت ابي بكر بالإضافة الى الكثافة العددية التي يمتلكها الإنقلابيون بل يتبعهم أغلب أهل المدينة من المهاجرين والأنصار ، كل هذا دفع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يهيئ القاعدة المتينة لنجاح مشروع المواجهة الى يوم القيام ، لأن هذا لمشروع يعادل الإسلام كدين إذا فشل فشلت الرسالة السماوية السمحاء في مهمتها وهي إرشاد الناس أو البشرية الى طريق الله القويم الذي لا لبس فيه : ومن أهم العوامل التي تنجح اي مشروع في الكون هو وجود القيادة الحكيمة والرشيدة والخبيرة التي تكون مُطَلِّعَة على القضية بشكل دقيق ومؤمنة بها وخصوصاً إذا كانت مشروعاً مهماً وخطيراً يمثل خاتمة الشرائع السماوية التي أنزلها الله لعباده من أجل سعادة الدارين فلهذا نحتاج قائداً يكون بمستوى المسؤولية وخطورة المهمة فكان القائد لخطة المواجهة الإلهية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام أمام الانقلابين كما كان الإمام علي عليه السلام لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أمام المشركين:
تعريف الأمة والأجيال القادمة بقدسية ومكانة القائد الدينية وما يمتاز به من منزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى وعند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي سيجابه الانحراف أو المخطط الانقلابي ، لأن الأمر لا يعني ابناء ذلك الزمان فقط بل يعني جميع شعوب المعمورة الى يوم القيامة ، علما أن الأمر قد التبس على أبناء ذلك الزمان وجميعهم سقطوا تحت سيطرة قادة الإنقلاب الا أربعة (المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار) نتيجة مكانة القيادات الانقلابية (كابي بكر وعمر بن الخطاب بالإضافة لابنتيهما عائشة وحفصة زوجات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم وغيرهم) بالإضافة الى خطابهم الديني ، لهذا فالمعني بحقيقة هذا المشروع الكبير جميع البشرية الى يوم القيامة ، لهذا فان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد طرح للأمة جميع الأحاديث أو الأدلة التي يحتاجها هذا المشروع الإلهي ولم يترك فجوة صغيرة إلا وملئها بكلماته الربانية حتى لا يبقى للبشرية أي عذراً أو طريقاً للانحراف والابتعاد عن طريق الله القويم وهذه بعض الأحاديث النبوية المتعلقة بهذا المشروع الخطير :
قال رسول ألله (ص) ( فاطمة بضعةٌ مني فمن أغضبها أغضبني ) …(8 ) (أن ألله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضا فاطمة ).. (9) (إنما فاطمة بضعةٌ مني يؤذيني ما أذاها )….( 10) , قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (11) ، بالإضافة الى الأحاديث والكلمات التي تثبت فضل ومكانة وقدسية الصديقة الكبرى عليها السلام وتحذير المسلمين أن يتعرضوا لها بأذى أو يغضبوها فقد أراد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يقدم الأدلة العملية للأمة التي لا يمكن دحضها أو تغافلها أو تجاهلها ويجعل المسؤولية في أعناق الجميع فلا يمكن لأحد أن يهرب من المسؤولية والواجب الديني :
حتى بيت فاطمة عليها السلام لم يدخله رسول ألله (ص) إلا بعد الاستئذان والسماح له بالدخول لكي ينبه الأمة لقدسية هذا البيت ومن يسكن فيه عن أبي سعيد الخدري قال (لما دخل علي بفاطمة جاء النبي (ص)أربعين صباحاً الى بابها فيقول أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم ) (12) و كان رسول الله (ص) عندما يريد الدخول الى هذا الدار كان يردد السلام عليكم يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (13),وقد بقى رسول الله (ص) طول حياته بعد نزول أية التطهير يقف على باب فاطمة (ع) يومياً خمس مرات (أوقات الصلاة اليومية) ويقول السلام عليكم يا أهل البيت , إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (14) , ما هو هذا الأمر العظيم الذي يريد من الأمة أن تنتبه إليه من تكرار هذا الفعل خمس مرات يومياً وما هي قدسية هذا البيت الذي يقف أمامه رسول الله (ص) يومياً خمس مرات ويسلم عليهم بهذا السلام المهيب.
عن مجاهد أنه قال خرج النبي (ص) وهو أخذ بيد فاطمة ,فقال : (من عرف هذه فقد عرفها , ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد , وهي بضعة مني وهي قلبي , وهي روحي التي بين جنبي , من أذاها فقد أذاني , ومن أذاني فقد أذى ألله )…… (15) عن أبي الحسن عليه السلام قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(……الله الله في أهل بيتي ، مصابيح الظلم ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ومستقر الملائكة ومنهم وصي وأميني ووارثي وهو مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت معاشر ألأنصار ألا فأسمعوا ومن حضر ، ألا أن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي ، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله ، قال عيسى فبكى أبو الحسن (عليه السلام) طويلا ، وقطع بقية كلامه وقال : هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله يا أمه يا أمه صلوات الله عليها ) (16) ، وحتى قادة الإنقلاب واجههم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أمام الناس ووعظهم وهددهم وحذرهم من عملهم الضال الذي يريدون به تدمير الإسلامي المحمدي الأصيل ( أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عند وفاته جمع المهاجرين والأنصار وقال : قد أوصيت ولم أهملكم إهمال البهائم ، فقام عمر وقال : أوصيت بأمر الله أو أمرك ؟ فقال : أجلس يا عمر أوصيت بأمر الله ، وأمري أمر الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى وصيي هذا – وأشار الى علي عليه السلام – فقد عصى الله وعصاني و من أطاعه فقد أطاع الله وأطاعني ، ما تريد يا عمر أنت وصاحبك ؟ ثم ألتفت صلى الله عليه واله الى الناس وهو مغضب ، وقال : من صدق أني رسول الله فأوصيه بولاية علي و التصديق له فإن ولايته ولايتي ، وولايتي ولاية ربي ، من تقدمه فقد تقدم الى النار ومن قصر عنه ضل ومن أخذ عنه يميناً هلك ومن أخذ يساراً غوى ( 17).
بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليختاروا من بينهم خليفة ، ولكن هذا الأمر لم يتم لهم بسبب هجوم اصحاب الصحيفة الملعونة عليهم أبا بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فانتصروا عليهم وأخذوا البيعة لأبي بكر وأول من بايع أصحاب الصحيفة من تبعهم من الأنصار عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وبشير بن سعيد وأسيد بن حضير ومن بعدها تبعهم الأوس ، فأخذ أصحاب الصحيفة البيعة لأبي بكر وقد بالغوا بالظلم والقسر لأحذ البيعة ( ابو بكر بن أبي قحافة – علي الخليلي ص317) ) ، فأغلب أهل المدينة قد أعطوا البيعة إلا من بقى مع أمير المؤمنين عليه السلام وهم بني هاشم والزبير والخلص من أصحابه كسلمان وأبا ذر والمقداد وعمار وغيرهم ، فأراد ابا بكر وعمر بن الخطاب أن يأخذوا بيعة من تخلف ( الإمام علي عليه السلام وبني هاشم ومن بقى معهم) بالقوة فهجموا على بيت فاطمة عليها السلام وهددوا بإحراق البيت ومن فيه فقال الناس أن فيه فاطمة عليها السلام قال عمر وإن ؟؟؟ ، وقد واجه هجمات أصحاب الصحيفة ومن تبعهم من المتخاذلين من المسلمين فاطمة (عليها السلام ) فلم تتأثر بجمعهم وهمجيتهم وقسوتهم وجرأتهم بل كانت الصنديدة الشجاعة التي وقفت أمامهم مدافعةً عن إمامها الإمام علي عليه السلام كما كان يدافع هو عليه السلام عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فكانت متجردة من كل سلاح أو درع إلا سلاح الإيمان ، فهجموا على البيت فكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها المحسن (عليه السلام) ولم تكترث لهما فكان أول سؤالها عندما أفاقت من الغيبوبة عن إمام زمانها أمير المؤمنين عليه السلام ، فعندما علمت بأخذهم إياه بالقوة لأخذ البيعة بالإجبار خرجت خلفه صارخة خلوا عن أبن عمي وإلّا سأكشف عن رأسي وادعوا الجليل ، وبالفعل أخذت أمير المؤمنين عليه السلام من بين أيديهم وأنقذته من سيوفهم وأفشلت هجمتهم : ونعرض في هذه السطور بعض المصادر التي تحتوي تفاصيل الهجوم على بيت فاطمة عليه السلام وكسر ضلعها وإسقاط جنينها :
1-المختصر في أخبار البشر :….ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب الى علي ومن معه يخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها ، وقال : إن أبوا عليك فقاتلهم ، فأقبل عمر بشئ من النار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي الله عنها ، وقالت الى أين يا أبن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ، قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت به الأمة .(المختصر في أخبار البشر- أبو الفداء إسماعيل ج1ص156) 2- العقد الفريد :….فأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة ، فقالت يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ، قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة …..الخبر (العقد الفريد- إبن عبد ربه الأندلسي ج5ص12)
3-أعلام النساء : …..فبعث أبو بكر عمر بن الخطاب ، فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب ، وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها فقيل له ، يا أبا حفص إن فيها فاطمة قال ، وأن ….ألخبر (أعلام النساء ج1ص114)
4-الملل والنحل :….عن النظّام أنه قال :وكان عمر يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها ….الخبر(الملل والنحل – الشهرستاني ج1ص56)
5- شرح نهج البلاغة :….قال جاء عمر الى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ، ونفر قليل من المهاجرين ، فقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن الى البيعة ، أو لأحرقن البيت عليكم …..الخبر (شرح نهج البلاغة- أبن أبي الحديد المعتزلي ج4ص114)
6- تاريخ الأمم والملوك :…..أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ،فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجُنّ الى البيعة…..الخبر (تاريخ الأمم والملوك – أبن جريرالطبريج3ص198)
7-أنساب الأشراف : …..إن ابا بكر أرسل الى علي يريد بيعته فلم يبايع فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة : يا بن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي قال نعم وذلك أقوى مما جاء به أبوك…..الخبر (أنساب الاشراف – البلاذري ج1ص586ح1184)
8-الإمامة والسياسة : …..ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ما ذا لقينا من أبن الخطاب وأبن أبي قحافة ….الخبر (الإمامة والسياسة – أبن قتيبة الدينوري ج1ص30 )
9- تاريخ مؤتمر بغداد : …. ولما جاءت فاطمة خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة قاسية حتى اسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة يا أبتاه يا رسول الله أنظر ماذا لقينا بعدك من أبن الخطاب وأبي قحافة …..الخبر ( تاريخ مؤتمر بغداد ص64)
10- الملل والنحل : إن عمر ضرب فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها …..الخبر ( الملل والنحل – الشهرستاني ح1ص57)
11- المعارف لأبن قتيبة :إن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي ….الخبر (كتاب المعارف-لأبن قتيبة (في مناقب آل ابي طالب )ج3ص358)
12- الوافي بالوفيات : إن عمر ضرب بطن فاطمة (ع) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها …….الخبر (الوافي بالوفيات – الصفدي ج5ص347)
13- ميزان الأعتدال :.. إن عمر رفس فاطمة حتى أُسقطت بمحسن ….الخبر (ميزان الأعتدال – الذهبي ج1ص139 رقم 552)
وهناك الكثير من المصادر التاريخية التي تثبت هجوم القوم على بيت فاطمة عليها السلام وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها ، ولم يكترثوا بما أخبرهم به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قبل ايام عن مقام الصديقة الكبرى وقدسيتها وخطورتها بل كانوا مصممين على تنفيذ معاهدتهم وبنود صحيفتهم الملعونة ولكن شجاعة الصديقة الكبرى عليها السلام قد أفشلت محتوى صحيفتهم ومخططهم الشيطاني .
لقد أفشلت فاطمة عليها السلام هدف الانقلابين من الهجوم على بيتها بالرغم من كسر ضلعها وإسقاط جنينها وهو أخذ البيعة من أمير المؤمنين أو قتله ، ولكن الصديقة لكبرى عليها السلام استطاعت أن تحافظ على حياة الإمام علي عليه السلام وتنقذه وكذلك لم يعطي البيعة ، وبعد كل هذا بدأت الصديقة الكبرى عليها السلام الهجوم على أبي بكر وعمر في مقر حكومتهم وهو المسجد فذهبت اليهم مع مجموعة من نساء بني هاشم والأنصار وخطبت خطبتها المشهورة التي أظهرت بها أهمية الإسلام وتعاليمه كدين بالإضافة الى مكانة أبيها (صلى الله عليه واله وسلم) وزوجها (عليه السلام) وكذلك مكانتها عليها السلام فكانت كلماتها عليها السلام (( وأعلموا أني فاطمة وأبي محمد)) ، وأظهرت حقيقة مظلوميتها من خلال مبدأ الوراثة الذي قد تعود عليه المجتمع العربي وتناقل افراد المجتمع الأملاك عن طريق مبدأ الوراثة ، وطرحت الآيات القرآنية التي تثبت مبدأ الوراثة فقالت (معشر المسلمين ، أأبتز إرث أبي ، يا بن أبي قحافة ؟ أبى الله عز وجل أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ، جرأة منكم على قطيعة الرحم ، ونكث العهد ، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه ، إذ يقول عز وجل : ( وورث سليمان داود) ، ومع ما قص من خبر يحيى و زكريا إذ يقول ( رب .. فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من آل يعقوب وأجعله رب رضيا) …فختمت خطبتها بأن الله هو الحكم العدل بيننا فكانت كلماتها ( فنعم الحكم الله ، ونعم الزعيم محمد والموعد القيامة …)… (18).
فمن خلال خطبتها أثبتت الصديقة الكبرى عليها السلام ان أبا بكر وعمر لم يحكموا بما أنزل الله بل جعلوا القرآن وراء ظهورهم ونتاج هذا الأمر يظهره القرآن جليا حيث يقول سبحانه وتعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)( 19 ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)..(20) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)…( 21 ) .
وقد أظهرت الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام غضبها وعدم رضاها لأبي بكر وعمر وقد صرحت هي بنفسها بذلك ولم ترد على سلامهما بل أعلنت سخطها والدعاء على أبي بكر في كل صلاة تصليها سلام الله عليها ( فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام ……قالت : أرأيتكما أن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا نعم : فقالت : نشدكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني ؟ قالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه …)…(22).
ولم تكتفي الصديقة الكبرى عليها السلام بما قدمت من مقاومة ومواجهة لمن أراد تغير طريق الله ورسالته السمحاء بل استعملت دموعها وبكاءها لإظهار رفضها لأعمالهم التي تخالف شرع الله سبحانه وتعالى حيث قالت (( . ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فو الله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال لها علي عليه السلام أفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك) ثم أنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلام أمامها ، وخرجت الى البقيع باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه )(23).
إخفاء قبرها ( إن سبب خفاء قبرها (عليها السلام) مارواه المخالف والمؤالف أنها (عليها السلام) أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يدفنها ليلاً لئلا يصلي عليها من آذاها ومنعها ميراثها من أبيها (صلى الله عليه واله وسلم) (24) ، ولما أنتشر خبر دفن الزهراء عليها السلام ضج الناس ولام بعضهم بعضا وقال لم يخلف فيكم نبيكم إلا بنتاً واحدة ، تموت ، وتدفن ولم تحضر وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ولم تعرفوا قبرها فتزورونها ( 25)
كل هذه الأدوات التي استعملتها الزهراء عليها السلام في مقاومة القوم قد جعلت التساؤلات في عقول الإنسانية قاطبةً من يوم السقيفة الى هذا الزمان بل الى يوم القيام ، لماذا لم تسلم عليهما عندما سلموا عليها ؟؟؟؟ لماذا كانت تبكي ليلاً ونهاراً ولم تهدأ ؟؟؟ لماذا أخفي قبر الصديقة الكبرى عليها السلام ؟؟ هذه الأسئلة التي أثارتها الزهراء عليها السلام قبل 1431 سنة قد جعلت طريق الهداية الى الولاية الكبرى أكثر جذباً ووضوحاً لطالبي الحق وأثبتت بطلان خلافة كل من تقمص الخلافة .
لقد لاحظنا كيف أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد غَّلَّقَ جميع الأبواب أمام الانقلابين ومن يتبعهم الى يوم القيامة ولم يترك لهم اي عذر أو سبب يتكئون عليه بل جعل طريق الحق واضحاً لمن أراد الولوج فيه ،لأن من أختاره الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) لقيادة جبهة المواجهة والمجابهة مع أصحاب الصحيفة الملعونة كان اكثر طهارة ومنزلة وقدسية عند الله سبحانه وتعالى ويحمل إيماناً لا يقدر ولا تحيط به المخلوقات وشجاعةً قد حيرة العقول وهي تواجه بجسمها النحيف أشرار القوم وأشدهم قسوة وأكثرهم جرأة وضغينة ، ولا حظنا ذلك من خلال الأحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في حق الزهراء عليها السلام بالإضافة الى الآيات القرآنية الكثيرة التي تبين منزلة وقدسية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام عند الله سبحانه وتعالى ، ومن خلال ما طرحنا من أحاديث لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومواقف وكلمات لسيدة النساء (عليها السلام) سوف نصل الى نتيجة أن كل ما خططوا له من إبعاد أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الأطهار عليهم السلام من ذريته عن مكانهم الشرعي وإبعاد الأمة عنهم وعدم الاستجابة لهم في تبين تعاليم الإسلام وإظهار طريق الله القويم قد باء بالفشل ،لأن الذي يطرق باب فاطمة (عليها السلام) يصبح اليقين مصداق عمله ولا يبقى للظن والشك وجوداً أمامه وحوله فالنتائج والعاقبات تصبح مرأى العين فيحس ويشعر بها بل يعيشها في أيامه وساعاته ، وقد أثبتت طريق الهدى عليها السلام وبينته وأنارته وجعلت الاهتداء به من أوضح الواضحات التي لا غبش فيها ولا عراقيل ، فقد بينت لكل الأمة نتائج كل من يغضبها ويتعدى على حدودها فقد قال الله سبحانه وتعالى (والذين يؤذون رسول ألله لهم عذاب أليم )….. (26),( إن الذين يؤذون ألله ورسوله لعنهم ألله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مُهينا )….. (27) , ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى )…… (28) وقبل هذه النتيجة السوداوية لكل من أغضبها فأن الله سبحانه وتعالى قد أبطل ولاية كل من أغضب الزهراء عليها السلام قال ألله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تتولوا قوماً غضب ألله عليهم قد يئسوا من ألآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور )….. (29) بل وعد كل من يتولاهم سقر خالداً فيها أبدا وذلك هو الخسران المبين قال الله سبحانه وتعالى (ألم تر الى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ، أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون ،اتخذوا أيمانهم جنةً فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ، لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ، أستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)….(30) .
ولولا موقف الزهراء عليها السلام وقيادتها للمواجهة لكانت البشرية اليوم تتخبط بأوحال الجاهلية والجهل والكفر والانحطاط ، ولأصبح طريق الهدى من الضبابية ومن الوعورة لا يسلك وتعاليم الله سبحانه وتعالى لا يعمل بها وعبادته سبحانه وتعالى قد تركها الخلق وأصبحوا يعيشون في تعاسة الدارين ، فسلام عليها حين ضحت بضلعها من أجل إضاءة طريق الهدى وسلام عليها حين أفدت بجنينها المحسن من أجل أن تبقى الأجيال سالكةً طريق الحق القويم وسلامة عليها حين صبرت وبكت من أجل تعريف البشرية بطريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
(1) كتاب سليم بن قيس _ أسرار آل محمد ص154-ص 155(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج28ص96- 111،
(3) سنن الترمذي – الترمذي صفحة أو الرقم 3802 ، أبن حبان (7135(4) كتاب أسرار آل محمد – سليم بن قيس الهلالي ص272) .(5) بحار الأنوار ج28 ص 101، (6) بحار الأنوار – العلامة لمجلسي ج 28 ص 96-111 (7) كتاب أسرار آل محمد- كتاب سليم بن قيس ص 153،(8) صحيح البخاري ج5ص 36(9) معاني الأخبار ج2ص303(10) صحيح مسلم ج7-ص14، الحدائق الناضرة – المحقق البحراني ص552(11) صحيح البخاري ج5ص36 ، صحيح مسلم ج5ص54 ح2449 ، سنن الترمذي ج5ص689 ح3967، مستدرك الحاكم ج3ص158، مسند أحمد ج4ص323 (12) فضائل سيدة النساء – عمر بن شاهين ص28(13) سورة الأحزب أية 33 (14) معالم المدرستين – السيد مرتضى العسكري ج3ص294 (15) نور الأبصار للشبلنجي ص 52(16) بحار الأنوار ج 22 ص477(17) الصراط المستقيم – علي بن يونس العاملي النباطي البياضي ج2 ص 90، (18)الإمامة والسياسة – ابن قتيبة الدينوري ج1ص31، تاريخ الإلسام – الذهبي ج1ص591، شرح نهج البلاغة ج16ص212، الشافي ج4ص72 (19) سورة المائدة آية 44(20) سورة المائدة آية45 (21) سورة المائدة آية 47(22) الإمامة والسياسة- ابن قتيبة الدينوري ج1ص20 ، من حياة عمر بن الخطاب – عبد الرحمن احمد البكري ص185(23) بحار الأنوار ج43ص177، اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء – محمد علي القراجة داغي التبريزيص858، مجمع النورين وملتقى البحرين – المرندي ص141، بيت الأحزان ص165(24) السيد المحقق محمد العاملي – مدارك الأحكام ج8ص279(25) دلائل الإمامة و ص46 ،ضياء العلمين ( مخطوط ج2 ق3 ص93-94 عن المناقب) ،(26)سورة التوبة آية61(27)سورة الأحزاب آية57(28)سورة طه آية 81(29)سورة الممتحنة آية13(30)سورة المجادلة آيات 14،15،16،17،18،19

خضير العواد
ـــــــــــــــــــــ