الجمعة - 29 مارس 2024

دعوة لقراءة كتاب

منذ 4 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


د. أحمد البهادلي


في حوار فلسفي قديم لفيلسوف العصر رفيع المقام جناب السيد الشهيد محمد باقر الصدر، قدر لي أن أطلع عليه في أواخر الثمانينيات، بعد أن كان هذا الاسم الشريف يتردد كثيرا في مجالس العائلة، مشروطاً بوصايا التكتم والحذر الشديد، وبسبب العزلة والفراغ كنت قد تهيأت لترتيب مكتبة والدي (حفظه الله)، وهنا كان أول لقاء بيني وبين سماحته، إذ عثرت على كتاب (المرسل الرسول الرسالة)، وحينها قد فتح الله تعالى على ذهني قسمات رحمته لأفهم مجمل نكات هذا المؤلف العظيم، حتى تكرر اللقاء بجناب السيد مراراً، وإلى أيامنا هذه.
أصف مطالعاتي لكتبه باللقاء به، لأني لم أقبل لمجالسته إلا وأنا في كامل الرغبة والاستعداد للتزود، وكنت حين أقرأ كأني أحدثه، وكأنه يحاورني، ومنها تكونت عندي صورة جليلة تخصني تجاه هذا العالم المجاهد الشجاع، ثم زاد لهفي لاقتناء كامل آثاره المنيرة، ومتابعة أفكار أغلب طلابه، ما بين سفر وحضور وتداول عن بعد.
لقد عايشت السيد في لحظات معرفية نورانية، وعايشني في مجمل أزماتي وما أكثرها، وفي كل شدة كنت أتوسل به، وكان رضوان الله عليه لطيف التلبية، ولا أزال أحسبه رفيقي، فالصلة بيننا أوسع من فكرة في كتاب، وأرحب من صلتي بأرحامي الأموات.
زاد ولعي بالحكمة، وزدت عطشاً بسماحته، وكثيرا ما كنت أظل طريق الفكرة، لكن قوة عصفه تجرني نحوه، لأقر كالصغار بالعفو في محضره، يمسح على رأسي، فيشتد عودي للسير مجدداً كالممتد في التاريخ، للبحث عن ضالتي في طريق جديد، فكونت نخبة كبيرة من الأصدقاء، جراء رحلة حثيثة، صحيح أنني أختلف مع كثير منهم، وأني لم أتطلع يوما للاتفاق مع أيهم، إلا بما يوافق إطار العلاقة العام فيما بيني وبين سماحته، وبهذا المعيار تعرفت إلى شخصيات مفكرة بالفلسفة، سأذكر بعضا منهم (طاليس، وفيثاغورس، وجورجياس، وبروتوغوراس، وزينون، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وتوما الإكويني، وكونفوشيوس، وزرادشت، وصاحب المقامات الشامخات أبن سينا، والمهذب رفيع الشأن الفارابي، وأبن رشد، وأبن سبعين، والغزالي، ثم أبي موسى الأشعري، وواصف بن عطاء المعتزلي، وهكذا النفيس أبن عربي، وصعب المراس السهروردي، وزاد العقل ساكن القنن العلامة الشيرازي، ثم هيغل، وكانط، وبركسن، وشوبنهاور، ونيتشة، وهايدكر، وفيتشة، ثم ماركس، وأنجلز، وسارتر، وفيورباخ، ومرلوبونتي، ووليم جيمس، وجون ديوي، وفتجنشتاين، وكارناب، وبرتراند رسل، والكامل الهمام العلامة الطباطبائي، والكامل السيد ذو الافاق الجليلة الإمام الخميني، والفاضل الكبير جعفر سبحاني، والمعلم الجديد محمد تقي مصباح اليزدي، وهابرماس، ورورتي، وليوتار) وقد أكون ممن غفل عن ذكر آخرين أجلاء، أو تغافلت عن آخرين ممن يبرق بسرعة ويختفي، لضيق في الترجمات أو حدة في النقاش، أو لتعارض في المباني والأصول أو المنهج.
لقد علمني سماحته آليات الاستدلال، وبوقت مبكر، وأرشدني لتحمل أعباء المفاهيم، والتصدي لاكتسابها، وفي كل مرة أجدد فيها تلاوة هذا الكتاب الرصين (المرسل الرسول الرسالة) أتجدد في رحلتي، حاملا معي الطريقة، والفكرة، وإن كان المضمون مما تسر به الأذهان.
هذا الكتاب، وثيقة فكرية، وهوية للانتماء، وطريقة في السير العقلي، كان بداية رحبة وجميلة بالنسبة لي، لأعيش حكايات العظماء، وأتجول في بساتين أفكارهم، مقتنياً ما ينفع الناس، تاركا الزبد.
بغداد
الخامس عشر من شهر شعبان المعظم 1441
التاسع من نيسان 2020
ــــــــــــــ