الجمعة - 29 مارس 2024

الماعنده وطن ما عنده دين؛ ماذا يريد صاحب هذا الشعار منه؟!

منذ 4 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024

الماعنده وطن ما عنده دين؛ ماذا يريد صاحب هذا الشعار منه؟!

جهاد النقاش ||

١- إن أراد بالوطن الجنسية، كما هو المتداول قانونا فيقال مواطن أي يمتلك الجنسية، فهناك الكثير ممن أسقطت عنهم جنسياتهم لأنهم معارضون مثلاً، أو لم يحصلوا عليها (بدون الكويت مثلاً)، أو تم نفيهم من بلدانهم بقرارات من حكوماتهم.
وهذا لا ينفي تدينهم قطعاً، ولا أظنه مقصوداً لصاحب الشعار، فتدين الإنسان لا يتوقف على هوية الأحوال المدنية.
٢- وإن أراد مسقط الرأس والبلد الذي ينتسب له، أو المكث، والتوطن، ونية البقاء في بلد لمدة ما، كما هو المذكور فقهاً في (باب صلاة المسافر)، فلا تلازم فقهي بين ثبوت التدين للإنسان وبين الوطن بهذا المفهوم سواء أكان ساكناً فيه أو كان مستوطناً في بلد آخر.
٣- إن أراد الوفاء بتقدير محذوف في الكلام، أي من لا وطن له يفي له لا دين له، فتكون خيانة الوطن خيانة للدين، كما تقول: من لا أمانة له لا دين له. أي يحرص على حفظها وأدائها.
وعبارات كهذه تنحل في حقيقتها إلى جملتين:
الأولى: الدين يأمر بأداء الأمانة.
والثانية: من يخون الأمانة تنتفي عنه صفة التدين.
وهذا إنما يكون في حالة افتراض تأسيس الدين لذلك الشيء الذي يتشرط التديّن به ليكون جزءاً من الهوية الدينية وتعاليمها، فحفظ الأمانة دلت عليه الشريعة وأمرت به، وكذا الوطن ولا أقل بعنوان الدفاع عن الأرض.
لكن هذا التأسيس لقيمة الوطن جاء من الدين، وهو من يبيّن آلياته، ويحدد واجباته، لا مطلقاً، وليس متروكا على الغارب ليكون محلاً للشعارات المفتوحة.
وكم شهدنا متديين حاربوا جيوش أوطانهم، وتمردوا على حكومات بلدانهم، وقوانينها وسياساتها ولم تنتف عنهم صبغة الوطنية!
ولا داعي بعد هذا لاستيراد النصوص التي تقول مثلاً: حب الوطن من الإيمان، أو أن النبي كان يحن لمكة، وغيرها، بغض النظر عن سند هذه الروايات؛ لأن الحب هنا لا يتنافى ولا يتعارض مع المبادئ الدينية، وهو قطعاً لا يعني التماهي مع السلطة الزمنية ما دامت ظالمة.
٤- هل يريد الولاء لبلده حصراً، بمعنى أن أي ولاء لبلد آخر يعني خيانة لبلده الأول، وهو ما يسقط عنه صفة التدين؟!
وهذا الولاء الآخر يُتصور بنحوين: تارة مع وجود التعارض بين الولائين، وتارة مع عدمه.
وله أشكال متعددة، كالقَسَم مثلاً على دستور البلد الجديد، أو ما سماه بعض الفقهاء بالشرط الضمني عند دخول البلدان الأجنبية الذي ينص على مراعاة قوانينهم.
والكلام على إطلاقه يعني في ما يعنيه أن إدخال الولاء لبلد آخر في منظومة التزام الفرد المتدين يعني ذهاب دينه.
وهذا لا قائل به.
وهو يستلزم ذهاب دين كل أصحاب الجنسية المزدوجة، باعتبار أنهم أقسموا على الوفاء لمصالح البلد الجديد، بل عموم المتدينين في المهجر، لإلزام بعض الفقهاء لهم بعدم مخالفة قوانين هذه البلدان.
نعم الكلام كل الكلام في ما لو وقع التعارض بين الولائين، فعلى أيهما يستند المؤمن ليحرز دينه ويبرئ ذمته أمام الله تعالى؟!
ولا غنى للمتدين هنا عن الرجوع إلى الفقيه الذي يقلّده لمعرفة تكليفه، وهذا الرجوع بحد ذاته يمثل مرشداً على حاكمية الدين على الولاء للأوطان، لا العكس.
وبعبارة أخرى: إن الولاء للأوطان وحبها، وإن كان غريزياً في الإنسان لكن هذا لا يعني بحال أن الشريعة تركت حبله على غاربه ليشخصه أي كان بعبارات خطابية.
بل لا بد أن تستند هذه المحددات للأوامر الدينية، والقيم الإلهية.
٥- إن الوطن بمدلوله الحديث الذي يتضمّن محددات قومية وسياسية وجغرافية (وبرغم عدم وجود تعريف له متفق عليه) أمر حادث وجديد، وكل النصوص الدينية التي جاء فيها ذكر كلمة الوطن وبصرف النظر عن تماميتها من ناحية السند، لا تتضمّن تلك المحددات وليست منظورة فيها، وبالتالي فكيف يجعل هذا المفهوم الحديث الذي لم يؤخذ من مصادر المعرفة الدينية ميزاناً للتدين ويُضاف إلى الدين!
وبعد كل هذا يتضح عدم صواب هذه العبارة دون تحديد المقصد منها بما لا يتعارض والدين، وإن كان الأمر كذلك – وهو كذلك – فهي تحصيل للحاصل، لا تعدو الإنشاء.
ـــــــــــــــــــــ