الجمعة - 29 مارس 2024

رسالة مضمونها.. ليس بوطني كل من قال أنا..!

منذ 5 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024

رسالة واضحة، ومضامين لائحة، جاءت في طيات رسالة كريمة من جهة كريمة حكيمة، طالما كانت الدرع الواقي، والمنار الهادي، والدلالة الواضحة لكل رشد وصواب.
عند سماع رسالة المرجعية العليا الموجهة لعامة الشعب، من خلال منبر الجمعة المبارك، يخيل إليك وللوهلة الأولى، بأنها قد جاءت على سياق عام، وأنها قد إعتمدت محاوراً عدة للتبليغ، إلا إنه وبمجرد التركيز ولو قليلاً تجد أنها كانت تتمحور بجميعها، حول مفردة الخلاص، والسبل الناجحة، والمستلزمات المطلوبة، والخطوات السليمة، التي من خلالها يمكن للعراقيين أن يعبروا ببلدهم العراق، إلى ضفة السلم والأمن، والكرامة والأمان. 
حددت المرجعية مصاديق المصلحة المطلقة، وهي كل ما يبعث على الصلاح وما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه وخيره، وأن تكون باعثة كذلك على خير ومنفعة الآخرين، ودعت إلى التفريق بين المصالح الشخصية، والمنافع العامة.
كما وضعت معاييراً محددة لبيان مدى وطنية الفرد أو المجموعة، من خلال مراقبة سلوكهم في كيفية القيام بالمهام والمسؤوليات العامة، التي تناط بهم، وكل حسب إختصاصه، وضربت مثلاً بالطبيب والمهندس، والمعلم والمدرس والموظف والكيان العشائري، والديني والمذهبي والقومي مؤكدةً؛ إنه كل من كان عمله يصب في مصلحة الكل؛ فإن الكل سوف يغدو متصديا لخدمته، فالمصلحة واحدة، والوجود واحد، والوطن واحد.. فكانت الرسالة واحدة، والإشارة واحدة، والخطاب موحداً.
جاءت الخطبة محذرة من تغليب الأنا في تصرف، أو منفعة، أو شعور، أو مصلحة ما، وكل ما شابه ذلك من العناوين الضيقة؛ كون ذلك كله سوف ينصهر في حالة من الخوف والفزع حال نزول الخطوب والفوادح؛ التي لا تفرق بين هذا أو ذاك، فإنها إن نزلت- لا سمح الله- ترى الكل بصفة الكل، ولا تعي مطلقاً هذه الجزئية والتبضيعية التي نتعامل فيهما فيما بيننا؛ كونها ترى هذا الكل بكله، هدفاً لها، وغنيمة لمطامعها.
دليل واضح، وشاهد قريب، عندما كنا بالأمس منشغلون- كما هو حالنا اليوم- بتقسيم الغنائم، وتوزيع المناصب، وتوزيع الهبات، أملاً في تجديد الولايات، وتسقيط الآخرين، كيما يكونوا أنداداً لنا أو منافسين، عندها نسينا أو كان بعض منا متناسين، بأن الخطر كان على الأبواب، متهيئاً لحز الرقاب، ونشر الفوضى والدمار والإرهاب.
حصل ما حصل، وأحتلت الأرض، وهتك العرض، وسبيت النساء، وسالت الدماء، وتناثرت الأشلاء.. حينها تلاشت تلكم المصالح والجزئيات، وإنصهرت المصالح والغايات، وتوحدت المطالب والرغبات، وأصبح الأمن مطلباً عاماً، والإرهاب هاجساً شاملاً، فكان الحل مرجعياً.
بحسب رؤية المرجعية إنه لا يمكن لأي طرف سياسي، أو تجمع بشري متصفاً بأي صفة كانت، سواءً قومية أم طائفية أم دينية أو حتى التي قد تكون على أساس المنطقة الجغرافية الواحدة- محافظة أو إقليم- أن يحقق هدفه منفرداً دون الحاجة لشركائه في الإنتماء لبلدهم الواحد الذي هو العراق.
كما لا يمكن مطلقاً أن يضمن إن عمله هذا سوف لن يعود عليه ولا على شركائه بالويل والثبور؛ فإن التفرد أو الإنفراد؛ يجعلانه في موقف ضعيف وهزيل، تجاه مواقف الأخرين من الغرباء الذين لا يمتون له بصلة، إلا اللهم صلة مصالحهم ومصالح بلادهم، مما يجعله مضطراً بأن يقع في خانة العمالة والتواطؤ كي يحقق منافعه الخاصة، ويلتفت بعدها ليجد نفسه مخذولاً من قبل الأجانب، مهزوماً أمام شركائه في الوطن، مأزوماً مع أتباعه الذين أغواهم وغرر بهم.. وفي تجربة الإستفتاء درس بالغ ومهم. 
جاءت رسالة المرجعية العليا وهي تنطوي على مضامين عدة وأطر يجدر الإشارة إليها، إذ يمكن إيجازها بما يلي: أولاهما هو دعوة الحكومة والمجتمع السياسي إلى تهيئة البيئة المناسبة، التي تؤهلنا لمطالبة المواطن بتوجيه سلوكه الخاص، لما يخدم المصلحة العامة، من خلال الإهتمام بالمنظومة الفكرية والأخلاقية، وتقديم الأنموذج الأمثل والقدوة الصالحة، في الخدمة والإيثار وتغليب المصالح الوطنية، على المصالح الحزبية الضيقة، وثانيهما، هو تشريع القوانين التي تكفل حماية المصالح العامة، من عمليات السطو السياسي الممنهج، والإستحواذ القسري المدجج.
كما دعت المرجعية، المؤسسة التربوية للإهتمام بالإنسان، وبيان وشاجة الروابط بين أبناء الوطن الواحد والتي حددتها السماء فيما بينهم؛ على أساس إما أنهم إخوة في الدين أو نضراء في الخلق، بإعتبارها نظرية فكرية يجب العمل بها؛ لخلق سلماً مجتمعياً قادراً على بناء عراق موحد.
كما أوصت بتفعيل سلطة الدولة، وتعزيز أدواتها التنفيذية الرادعة لكل تجاوز على المصلحة العامة، سواءً كان المتجاوز فرداً أو عشيرة، أو كياناً سياسياً، فلابد من أن تكون المعاملة والمحاسبة على حد سواء، فإن بالعدل تسود الأمم.
العدل شعور رائع يدعو للطمأنينة والثقة المطلقة، وإفشاء ثقافة الدولة، تلك الثقافة التي لم يألفها الفرد العراقي مطلقاً، كونه لم يفرق يوماً بين الحكومة والدولة، بحيث إنه كان دائما ينظر إليهما كلاً واحداً، والحقيقة هي إن الدولة ملكاً للمواطن، وهي أمانة بيد الحكومة، على أساس تفويضه إياها بقيادة البلاد والقيام على خدمة العباد.
نافلة القول، وزبدة المخاض، على كل سياسي، وصاحب قرار، وكل موظف مكلف بخدمة عامة، وشيخ عشيرة، وإمام جامع.. أن يعوا إنهم في مركب واحد، فإن تعاونوا على قيادته ورعايته؛ فإنهم سيصلون حتماً إلى بر الأمان، وإن حاول أحدهم أو بعضهم نقبه، أو خرقه، أو تسييره وفق رغبات وأهواء الآخرين؛ فإنهم لا محالة هالكون.