الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


حيدر الرماحي||

لزيارة الاربعين فوائد عظيمة وكبيرة استعرضنا بعضها وفي هذا المطلب اشير الى بعض من اهم الفوائد والمكاسب السياسية للزيارة الاربعينية:
1- اعلان الولاية السياسية للامام الحسين(عليه السلام)
ان زيارة الامام الحسين(ع) تمثل في بعض ابعادها المهمة مبايعة للامام الحسين(ع) واعلان الولاء له ونصرة لمبادئه.
وكان الامام الحسين(ع) حازما وحاسما في موقفه الرافض وذلك لعلمه بالذي يمكن ان يسببه تولي يزيد حكم الامة الاسلامية وما يمكن ان يسببه من مفاسد على المستوى العقيدي والخلقي والسياسي.
وكان الامام الحسين(ع) يصرح بوضوح فقد قال امام والي يزيد على المدينة: (انا اهل النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل للنفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله).
ان هذه المسيرة تمثل جوابا على الموقف الشرعي الذي يجب ان تقوم به الامة ايام الحاكم الجائر والظالم كما رفضه الحسين(ع)، وانها جواب لكل الاسئلة التي يمكن ان تطرح وطرحت عبر التاريخ حول الحاكم والمحكومين، فمن هو الحاكم الشرعي اللائق؟ وماهي صفات هذا الحاكم؟ وماهي واجبات الحاكم ازاء رعيته؟ وماهي حقوق وواجبات الناس داخل المجتمع الاسلامي؟ كيف يمكن للناس ان يتعاملوا مع الحاكم الجائر؟ ولمن تجب البيعة؟ ولمن يجب الرفض؟ ما الى ذلك من الاسئلة الكثيرة التي يطلقها واطلقها الناس في القديم والحاضر.
ان السير بهذه المسيرة الاربعينية يريد اصحابها ان يعلنوا رفضهم ليزيد الحاكم الجائر الفاسق وكل من انتهج نهجه في واقعنا الحاضر والمتمثل في حكام الجور والظلم وكل فاسد ايا كان شكله ودينه ومذهبه في نفس الوقت يريد اصحاب هذه الاقدام ان يعلنوا بيعتهم للحسين(ع) وكل من انتهج نهجه في النزاهة والعدل ومبادئ الخير والفضيلة ايا كان شكله ودينه ومذهبه.
ومن هذا المنطلق نفهم لماذا كانت الزيارة الاربعينية عبر التاريخ ولاتزال تقض مضاجع الطغاة والظالمين والفاسدين، حيث كانوا يبذلون الغالي والنفيس للقضاء عليها او الحد منها اواستغلالها. وعلى اساس ما تقدم فان الملايين هذه تبعث رسالة مهمة ترفعها الى كل حاكم جائر وظالم داخل العراق او خارجه ان يتعض بمن مضى من الطغاة وكيف مضى وان لا يكونوا في ركب الفاسدين والظالمين فان نهج الحسين(ع) ومبادئه وقيمه السامية ستأتي عليهم عاجلا او آجلا.
2- المطالبة بحقوق الشيعة في العالم
يعتبر الاجتماع المليوني لشيعة العالم في زيارة الاربعين انه يوجه رسالة مفادها ان الشيعة طائفة كبيرة من المسلمين لايمكن ان يستهان بفكرها ولا برموزها ولا بمراجعها ولو حتى بادنى فرد منها، والاعلان للعالم الاسلامي وغير الاسلامي، ان الشيعة يمتلكون خزينا هائلا من التاريخ والحضارة، وعلى الاخر ان يفهم هذه الحقيقة بحكمة ووعي فقد ذهب الزمن الذي تختنق فيه الحريات وتصادر فيه الافكار والمعتقدات وتغلق ابواب المذاهب على اربعة فقط، فان العالم قد انفتح بفضل التطور العلملي ووسائل الاتصال الاجتماعي على كثير من المعارف والحقائق التي حرم منها طيلة عقود من الزمن وبالتالي نحن امام طريق واحد لا ثاني له الا وهو الاعتراف بوجود الاخر الاسلامي الذي تعيش معه ويعيش معك وفق نظرية (كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه) وتبقى لكل فئة افكارها وعقديتها الخاصة وطقوسها التي تتحرك على اساسها.
3- اظهار القوة والقضاء على مخططات الاعداء
ربما يقرأ البعض أن زيارة الامام الحسين(ع) وبالذات زيارة الاربعين تحقق ابعادا دينية على مستوى الفرد وتمثل بعدا روحيا لا اثر له على الارض. وهذا ما يحاول البعض اثارته ضد الاربعين ونشهد بين الحين والاخر تتعالى بعض الاصوات.. -فكيف لزيارة الاربعين ان تكون درعا حصينا ضد مخططات الغزو الثقافي والعسكري؟
تمثل الثقافة الاسلامية (وبالذات الفكر المتمرد ضد الاستعباد والتسلط) خطرا على اهداف المستكبرين والمتسلطين على مقدرات الامم، وقد راهن اعداﺀ الامة الاسلامیة والشيعة بالخصوص على تغيير معالم واهداف الزيارة الاربعينية شعورا منهم بحقيقة اهمية هذه المناسبة من حيث تمكنها من ترتيب الصف الشيعي بصورة مستمرة من جهة، ومن جهة اخرى مقدرتها على كسر الحدود لتهيئ اجواء التواصل المباشر باختلاف الثقافات والمستويات، وتوحيد الرؤية باهداف معلنة واضحة مفادها العصيان ضد الاستكبار والظلم ومواجهة الارهاب.
وتبرز عملية التحدي الفكري الذي احيانا نغفله خصوصا حينما تبهرنا تلك الصورة الكبيرة لاجتماع الملايين من البشر لاحياء هذه الذكرى العظيمة، منذ ان ظهرت هذه المناسبة واصبحت مؤثرة على جميع الاصعدة السياسية منها والاجتماعية والثقافية والامنية ..والخ. نتيجة لقوة تأثير رسالتها في الواقع العام.
وفي اثارات عديدة اثيرت من قبل البعض قسم منهم يمثل اتجاهات سياسية وحتى دينية وبدعوات علنية مغرضة تحاول التشكيك باصل القضية من جانب وتطلق افكار لتساهم بحرف المسيرة تلك من جانب اخر، وعرضها على انها تنهك الدولة وتمثل خسارة مادية!، لكن الواقع وكانهم يتجاهلون المردودات الاخرى حيث ان هذه الزيارة اذا ما تحدثنا عن الجانب المادي فانها تدر على العراق الخيرات الواسعة من مبالغ سمة الدخول الى تنشيط حركة التجارة وتنشيط قطاع النقل وغير ذلك، هذا فضلا عن المردودات السياسية والاجتماعية،علاوة على ذلك ارسال رسالة قدرة العراق والشيعة على التعايش السلمي بمختلف الثقافات بالاضافة انها تمثل رسالة تعكس الاستقرار الامني والسياسي في العراق للعالم.
وهكذا هي الصورة ..ففي الاربعين تتجلى جميع الصور التي عجزت السياسية من ان ترسم جزء منها ولو بسيطا .. فذلك الشاب من ابناء السنة! الذي التقيته يخدم في احد المواكب على طريق كربلاء يحدثني عن حبه للحسين(ع) وعن حجم امنياته بقبول خدمته عند الامام(ع) ويحدثني عن الوحدة والمبادئ.. وصور ذاك الكندي والامريكي والالماني والتركي الذين جذبهم الحسين ليقفوا في كربلاء معلنين تضامنهم مع المبادئ الحقة.
هذه المشاهدات السريعة ربما تعودنا عليها لكنها بالتاكيد هي محل اهتمام المراقبين ومحطة لجذب الانظار والقلوب.
وبالتالي يتضح من كل ما تقدم ان زيارة الاربعين تحقق اثارا سياسية على المستوى الداخلي العراقي من حيث انها تحقق تماسكا سياسيا واجتماعيا في البنية الاجتماعية والسياسية العراقية وتمثل نقطة التقاء الفرقاء وتوحيد القوة الداخلية، علاوة على ذلك فان زيارة الاربعين وتأثيرها الخارجي ورسالتها المدوية تمثل داعما اساسيا للنظام السياسي ودليل على قدرة النظام السياسي الجديد خصوصا بعد ان نجحت الدولة العراقية نجاحا باهرا في ادارة هذه المسيرة التي يتشرك فيها اكثر من 60 دولة وبمختلف القوميات والديانات. وعلى المستوى الخارجي فانها تحقق اثارا كما اوردتها اعلاه في الفوائد من زيارة الاربعين، فهي تمثل رسالة ومؤتمرا عالميا يشترك فيه الجميع باهداف واضحة وتعطي رسالة قدرة وقوة الاسلام على توحيد الامة امام المخططات العالمية بالاضافة الى قوة التشيع وامكانيته في توحيد الامة تحت عنوان الامام الحسين(ع)، وهكذا وقوف الامة عند مبادئه(ع) السامية ومواجهة الظلم والفساد بكل اشكاله.
ويبين المفكر الاسلامي حجة الاسلام والمسلمين السيد صدر الدين القبانجي الاثار السياسية لزيارة الاربعين على المستوى الداخلي والخارجي للعراق في معرض اجابته على السؤال الذي وجهه الباحث بهذا الشان فبيّن:
ان زيارة الامام الحسين(ع) ذات مداليل على مستوى الداخلي والخارجي اما على المستوى الداخلي فانها كشفت عن استعراض مليوني كبير لشيعة اهل البيت امام الارهاب والطائفية وهذا الاستعراض المليوني يدلل على الحجم الجماهيري اولا والارادة الفولاذية ثانيا والسيلمية ثالثا ورابعا الاستعداد للتضحية امام الروح العدوانية السوداء للارهاب.
ولزيارة الاربعين ايضا مدلول سياسي وهو ايجاد التقارب والتعاضد بين القوى الشيعية على مستوى الاحزاب والجمهور والمحافظات والعشائر والمرجعية والحوزة، ان هذه الرحلة العظيمة هي رحلة لترسيخ معاني الوحدة والتكاتف ونبذ حالة الفرقة والتنازع فهي اذا تجسيد ميداني للوحدة والتعاون.
نحن نشهد ان هذه الزيارة تغسل الكثير الكثير من المحن القلبية او حالات التباعد والتناكر بين مجموعات الزائرين بمقدرا ما تحقق من مزيدا من الحنان والتواضع والفداء والتاكيد على وحدة طريقنا وهدفنا.
هذه الزيارة هي عملية شحن روحي بالمفاهيم الدينية بالاضافة الى المفاهيم السياسية التي طرحها الامام الحسين(ع) فلا نعتقد ان احدا قادر على ان يصنع هذا الشحن الروحي كما تصنعه زيارة الاربعين فنجد من الصغير والكبير والمراة والشيخ يتثقف على الشعارات المطروحة والمنابر والمعارض والمشاهد الحسينية التي تختلط بقلوب الناس فتعطيهم ضوءا جديدا يشرق في قلوبهم لا يمكن ان تحقهه الاستعراضات المفاهيمية.
ولاجل ذلك كنا نجد عداء السلطات الغاشمة عبر التاريخ على هذه الزيارة فهم يستعشرون الخطر ويدركون ما تحققه هذه الزيارة من مداليل دينية وسياسية في قلوب الزائرين، ومن هنا استعدوا لارتكاب كل جريمة ممكنة ضد الزائرين وضد قبر الامام الحسين(ع) بدءا من تجريف القبر الى قطع الايدي الى الاعدامات في عهد البعث الاسود للزائرين
هذه الزيارة تعطي اكثر من مدلول وترفع اكثر من رسالة للعالم الخارجي ابرزها:
1- سلمية الجماهير العراقية وخاصة اتباع اهل البيت.
2- قدرتهم على الادارة الرائعة التي تعجز عنها دول كبرى لمسيرة تزيد على من 15 مليون.
3- اصرار الشيعة على المواجهة وعدم التراجع امام التحديات، وعلى هذا الاساس اصبحنا نجد تحولا في السياسات الخارجية تجاه العراق وتجاه الشيعة بالذات الذين اكدوا انهم امة لا تتراجع امام التحديات مهما بلغت، ويمكن ان نذكر ارقاما كثيرة على تغيير السياسيات الاستراتيحية مع العراق ومع الشيعة بالذات.
وهناك ابعاد سياسية اخرى مهمة يحددها لها الدكتور محمد جواد نوروزي استاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الفقه السياسي فب جامعة المصطفى العالمية تتمثل بـ:
1) الهویة:
زیارة الاربعین هی نقطة هامة جدا فی تعامل البلدان الأسلامیة. لان المسلمون يجتمعون في وقت معین بغض النظر عن الجنسیة أو التوجه أو العنصرية او اللغة، وهو ما یسمی بذکری زيارة الاربعین ویعبرون مشاعرهم العظيمة فی مظلومیة الأمام الحسین(ع) وأحتقار الظالمین و المستکبرین. وهذا المسالة واحدة من المسائل الهامة التي تاکد علیها زیارة الإمام الامام الحسین(ع) في عاشوراء و الاربعین وهذا ما نقرأه في (سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَکُمْ وَ حَربٌ لِمَنْ حارَبَکُم).
بناء علی ذلك، التجمع البشري في زیارة الاربعین هو تجسید لظهور القیم الانسانیة فی ساحة العمل والمواجهة مع الظالمین أي تشکیل الهویة بناءا علی القیم التوحیدیة والإلهیة. وهذا مايعمل على خلق أفق جدید في الهویة الإنسانیة. في مقابل الهویات المبتنیة علی القیم الاستكبار والهيمنة والقیم المستمدة من حداثة الإمبریالیة و العلمانیة المبنية على الاسس المادية.
وزیارة الاربعین تاکد علی القیم العلیا للبشریة والقیم الروحیة والإنسانیة المهمة التی يحتاج إلیها البشر الیوم ویعانی من افتقارها. وتضع المفاهيم الحیوانية و المادیة إلی الهامش.
2. دور الأمم
تجتمع الدول الإسلامية في مؤتمر الأربعين الكبير بغض النظر عن إرادة الحكومات أو عدم تعاون الحكومات. هذا الأمر اصبح مؤثرا في مجال العلاقات الدولية خصوصا في تعامل العراق مع البلدان الإسلامية وهذا یمثل ظهور مؤثر جديد في مجال العلاقات الدولية يسمى دور الأمم.
تلك الأمم التی تحتفظ بحبها لأهل البيت (ع) وتضعه محورا في تعاملها، وتجمعت للحفاظ على هويتها الإسلامية ولتأکد على دور الأمم العميق.
3. العراق مرکز ومحور للبلدان الإسلامیة:
العراق هو مرکز و محور لتعامل وعلاقة الدول الإسلامیة في ذکری القیم الالهیة و الانسانیة. أنّ هذا الموقع تبوئه العراق لاحتضانه هذه الظاهرة (زیارة الاربعین) ومنحه مکانة دولیة من بين الدول والبلدان الإسلامية الامر الذي يميز العراق دون غيره ويعطيه مرکزیة خاصة واصبح محط اهتمام وانتباه الملایین من المسلمین من جمیع أنحاء العالم.
و بالطبع هذا المؤتمر العظیم والتجمع الانساني يضع وظائف ومسؤولیات على الحکومة العراقیة من جهة وعلى المشارکین من جهة ثانية والدول الاسلامیة من جهة ثالثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- حيدر الصمياني، الاربعين وفلسفة المشي الى الحسين(ع).
2- استبانة اجاراها الباحث مع الدكتور محمد جواد نوروزي رئيس قسم الفقه السياسي في جامعة المصطفى العالمية،قم المقدسة، بتاريخ 17/10/2018.
3- استبانة اجرارها الباحث مع المفكر الاسلامي ومؤسس الجامعة الاسلامية حجة الاسلام والمسلمين السيد صدرالدين القبانجي، بتاريخ8/4/2019.
4- حيدر الرماحي، زيارة الاربعين خط صراع وابراز قوة، مقال منشور على الموقع الالكتروني التالي: (http://eye-n.com/index.php/permalink/184258.html)