الجمعة - 29 مارس 2024

التعليم العراقي ما بين التيه والضياع..رسالة الى وزير التعليم العالي والاكاديميين

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


د. هاتف الركابي ||

لايخاطب هذا المقال ( الاكاديميين ) في الجامعات والمعاهد الهزيلة وكذلك التي خلف الحدود من الدكاكين لخدمة أرباب السلطة التي تشرعن الجهل و تمدٌّ أصحابه بشهادات لا تصمد لفاتحة الدقيقة الثانية أثناء حوار أو لقاء تلفزيوني ، كما لا يخاطب خريجي جامعات الخميس و الجمعة على نية ثواب العلم و المعرفة الذين طفقوا يصدقون منجزهم ( المعرفي )
ويحضرون الندوات العلمية و كأنهم من أهل العلم و أرباب المعرفة !!
المقال يخاطب الأكاديميين الحقيقيين ممن شهدت لهم المحافل العلمية بالرجاحة و المعرفة بعيداً عن تزويق السلطة و الأقاربية ..
المصيبة الكبرى انكم منذ ٢٠٠٣ قد تخليتم عن دوركم الحقيقي وهذا ما أوصل الأمر الى مانحن عليه ، تخليتم عن الناس وتخليتم عن انفسكم تحت ذرائع شتى .. تخليتم عن وجودكم كماهية متماسكة ، ماهية تعني إما الوجود أو عدمه ، عن تأخركم كل هذه السنوات الطوال وتغييبكم لدوركم الذي صنع الفارق في البلدان التي تحيط العراق ، فما من بلد نهض واستطال إلا بهمة الاكاديميين ، ورضيتم بالعجز و ذريعة استلاب السلطة لدوركم ؟!!
سكتم عندما جاءتنا تلك الوجوه من كل حدب وصوب من خارج العراق وداخله وأمسكت زمام الأمر وكانوا لايملكون أية شهادات فأنشأوا الوقفين الشيعي والسني لاجل الحصول على شهادات ثانوية ، ثم اوجدوا جامعات هزيلة ونسبوها للائمة كالكاظم وابو حنيفة والصادق وابو سفيان وابو سراقة والمقمقاني ووووو.. ليحصلوا على شهادات جامعية ،، ثم شرعوا قانوناً ليؤسسوا معهداً مقدساً للدرسات العليا ، واصبح ملاذاً للكثير من المسؤولين والوزراء والمدراء العامين والمحافظين واعضاء مجالس المحافظات ،، وغيرهم لجأ إلى دول الجوار التي فتحت مصراعيها لمنح الشهادات كبيع الخضار والفاكهة ضاربين فتوى وقرار مجلس الدولة الموقر لسنة ٢٠١٣ الذي منع وحرّم على المسؤولين والقيادات العليا من الدراسة اثناء المنصب عرض الحائط .. بل أسرع البعض منكم كطيرة الدبا وتداعى كتهافت الفراش على المحاضرات في الجامعات الاهلية لينافسوا المحاضرين ممن ليس لديهم تعيين في الجامعات الحكومية .. وشارك البعض أصحاب الدكاكين من الجامعات الاهلية بظلم واجحاف المحاضرين وعدم اعطائهم لحقوقهم المالية ..
كل هذا جرى وانتم في منأى ، واصبح هَمّ البعض منكم الحصول على المنصب والاستعلاء على الاخرين وساءت العلاقة بين العمادات والاساتذة مع عدم الاهتمام بالمقترحات التي من شأنها التطوير، واصبحت الواجبات تفرض بطريقة الاستعباد الوظيفي مع اغفال الحقوق وارهاق التدريسيين بالعراقيل والافتقار للتنظيم ،، وانفقدت لغة الحوار والتفاهم وكأن الجميع في ثكنة عسكرية وتوقف الحافز والاجتهاد والابداع ، حتى بات بعض الاكاديميين يتغنى بسيرته الذاتية ومغامراته العلمية وغابت الافكار التشاركية ، واستفحل العداء النفسي من ( البعض ) ضد طلبة الدراسات العليا باقصائهم وتهديدهم بالرسوب فغادر الكثير الى الدول ليضيع على البلد العملة الصعبة واغتراب الطلبة على حساب المعرفة الحقيقية ..
ناهيك عن حالة التخبط في القرارات المتغيرة والمتبدلة وغير المدروسة ومراهقة الفكر الاداري الحاضرة بقوة لدى بعض القائمين على الجامعات والاقسام في ضرب المناوئين من الاساتذة والاساءة لسمعتهم مهنياً وعلمياً مع عدم جدوى الشكوى والتظلم ،، مما خلق الفوضى في العملية التعليمية حتى بات كل وزير يتسنم المنصب يفرض قرارات اشبه بالقرارات المزاجية كما هو الحال في نظام المقررات الذي فرضه الوزير السابق فرضاً دون قياس الاثر والاستماع للجامعات ومدى تطبيقه ،
ناهيك عن الفوضى في التعليمات والترقيات العلمية فكلما تقدم الاستاذ بخطوة تغيرت التعليمات واعادته الى الصفر وضاعت نتاجاته العلمية وجهوده ، حتى باتت إدعاءات الرصانة كذبة كبيرة لافتقار الجامعات الى المختبرات والوسائل الحديثة ..
ولعمري وفي مفترق هذا الضياع كنا نتطلع لوثبة أكاديمية و نمد الأعناق لرؤية هذه الفئة لتنتشل الواقع من التيه وصولاً لأبعد نقطة غائرة في تاريخ العراق المعاصر لكننا لم نشهد نشاطاً أكاديمياً منسقاً وموحداً ، و بهذه العودة يمكننا تصنيف الأكاديمي العراقي إلى :
1- صنف متعالٍ ، لا يشعر بالانتماء لأي نشاط اجتماعي ينبثق من المجتمع ، و يعدٌّ كل نشاط لا ينبثق من الأكاديمية نشاطاً فوضوياً غير واعٍ ،
ومعه فلا يمكن له النزول عن عرش الوعي القيمي ليخوض في تفاهات المجتمع ! .
2- صنف مؤدلج ينتمي لأيديولوجيا معينة يخدمها بشهادته و يرقع لها ثوبها و يدافع عنها ، و مثل هذا الصنف تجده حاضراً بقوة في أي حراك تقوده أيديولوجيته ، وناقد بارع في أي حراك تقوده فئة لا ينتمي لفكرها .
3- صنف كّون لنفسه رؤية خاصة ، يتزمت لها وبها ، ولا يقبل أي نقاش يفضي لتعديلها أو رسم ملامح الجدة والحداثة على وجهها الشاحب ، مثل هذا الصنف تجده ـ سياسياً ـ بين مزدوجي ( الملكية ، جمهورية عبد الكريم ، جمهورية البكر ، …… الخ ) و كأن هذه الأنظمة كانت أنظمة مثالية ، وكأن مشكلة العراق في النظام لا في غياب الرؤية و استبعاد الشخصيات القادرة على التغيير ! .
4- صنف متسلق وصولي ، موسمي يتغير مع كل طارئ مصلحي ، تجده اليوم شيوعياً ثم لا ما تلبث أن تراه إسلامياً متنقلاً بين حزب و آخر يلمع باب مفكر الحزب و قائده و يقف على بابه كمتسول ! ومن المخزي ان يقف الاكاديمي بباب الاحزاب لاجل الحصول منصب رئاسة جامعة أو كلية أو قسم !!
5- صنف صوفي ، يصوّف العمل الأكاديمي و يرى بأن المهمة الوحيدة للأكاديمي هي إلقاء المحاضرات والاكتناف بطمأنينة الجامعة بعيداً عن الخارج المشحون بالمشاكل والتناقضات .
أمام هذه الأصناف غاب الشعور بالأكاديمية ، و لم نشهد شعوراً حقيقياً بها في العراق ، في الوقت الذي يتشارك الأكاديميون العراقيون الدهشة و الإعجاب بالحراك الأكاديمي الفرنسي خصوصاً في عقدي الستينات و السبعينات ، و الحراك الأكاديمي الروسي المناهض لتحويل الإنسان لماكنة داخل مصنع إبان الحكم الشيوعي ، و الحراك الألماني الأكاديمي المناهض للنازية ، …… الخ من نماذج الانتماء للأكاديمي والانضواء تحت عنوانها فقط بعيداً عن محركات الاختلاف الحتمي بين شخوص قادتها ، هذه الدهشة المنافقة و الإعجاب الذي يسجل امتداد صفة التناقض الحكمي إلى العقل الأكاديمي العراقي و عدم اقتصاره على الطبقة المتواضعة ثقافياً ..
اعترفوا انكم فشلتم جميعاً منذ ٢٠٠٤ عن تأسيس جهاز أو هيأة عليا أو مجلس أعلى للجامعات يكون مسؤولاً عن شؤون الجامعات وقرارات التعليم العالي وشؤونها وألقابها وشهاداتها بعيدا تدخلات المتحزبين وأهواء السياسيين ،، ولو كان هذا المجلس موجوداً لما تخطاكم البرلمان في تصويته على قانون معادلة الشهادات الاخير ..
فمتى يحين الوقت لتشعروا بانتمائكم لأكاديميتكم؟ متى تشعروا بأن الوقت حان لتضعوا اختلافاتكم على هامش مشكلة الوطن ؟ متى تضعوا العراق في المتن و تستخدموا أكاديميتكم للنهوض بواقع هذا ( البلد الغارق في النزيف ) ؟!!