الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


محمود الهاشمي ||

كنت دائماً اتساءل عن سر “هدم” الاثار الاسلامية ومقابر الانبياء واصحابهم وذراريهم، ومن ذا الذي يمتلك هذه الجرأة ، على هدمها ! فالاثار مجموعة من الشواهد التي تدلنا على حجم الانجازات التي قدمها الاولون في المجال الحضاري والديني والاجتماعي والقيمي، ولا شك هي مدعاة للفخر , لانها تعبر عن شخصية الامة وارثها ومدى مساهمتها في التطور قديماً وحديثاً، وهذا مما جعل الامم تنبش وتحفر وتبحث في اعماق الارض بحثاً عن اي شاهد مادي يؤكد تاريخ هذه الامة وتطورها، وترى علماء الاثار والتنقيب في حركة دؤوبة في اقصى الارض وادناها للمزيد من الاكتشافات والمعلومات، وحين تشهد عامل التنقيب وهو منهمك في معالجة دمية آو آلة حرب او تمثال او آنية او قطعة سلاح، تكتشف مدى الحرص في استخدام ادق الالات من فرش وادوات حفر.
اغلب السياح في العالم يذهبون لزيارة المتاحف والاثار القديمة والمراقد والمزارات لشخصيات دينية او تاريخية او سياسية او فكرية للتزود بالمعرفة والثقافة عن تلك الدول وتاريخها ،من جهتها فان تلك الدول توفر جميع الظروف والاجراءات التي من شأنها وصول السائح الى الموقع المراد زيارته ناهيك عن الفائدة المادية لمثل هذه الزيارات.
علماء الاثار غير معنيين بنوع الاثار وثقافة الشعوب القديمة وايمانها بهذه العقيدة او تلك بل الاهم التعريف بهذه الاثار وتاريخها واهميتها فمثلاً تجد علماء بوذيين ينقبون في موقع اثري كان اهله يعبدون الاوثان او موحدين او يعبدون كائنات مختلفة ،حيث نحن في العراق اغلبنا مسلمون لكننا نفخر بمسلة حمورابي رغم مان الاخير يبدوا في النصب وهو يتلقى القوانين من آلهة الشمس وهكذا بالنسبة للحضارة الفرعونية وغيرها.
لسوء حظ المسلمين ان اغلب الحضارة الاسلامية، -لاسيما -بداية الدعوة الاسلامية في ارض الجزيرة “السعودية” ، وهذه الحضارة بقيت كما هي عليها لقرون سحيقة دون ان يمسسها احد بل العكس كانت محط تقديس واحترام وزيارات لكنها لم تحض بالتنقيب والبحث لاسباب يطول شرحها .
هذه الاثار الاسلامية خاصة في مكة والمدينة لم يفتُ احد من الانبياء أو علماء المسلمين والفقهاء والائمة المعصومين يوماً بهدمها او النهي عن زيارتها الى ان جاء ابن تيمية بعد سقوط بغداد على يد المغول بفترة قصيرة (1263-1328) فأفتى بعدم البناء على القبور ولم يقل بهدمها ،ثم جاء احد تلامذته من بعده وهو ابن القيم الجوزية وهو الذي افتى بهدم المشاهد التي بنيت على القبور وقال “لايجوز ابقاؤها مع القدرة على هدمها”، اي في حال عدم الرضا لدى العامة لايجوز هدمها خشية الفتنة ، ولم يُهدم مشهداسلامي واحد، ولم تتعرض اثار المسلمين الى اي اذى ، بل العكس تعرض ابن تيمية وابن الجوزية الى ضغوط كبيرة من المسلمين كادت ان تودي بحياتهما.
وبقي الامر على ذلك والمسلمون يحجون ويتبركون ببعض المشاهد والاثار الاسلامية ويزورون قبور البقيع ومقبرة المعلا التي دفن فيها اغلب اسرة الرسول واجداده واخر من شهد على ذلك ابن جبير في رحلته الاولى للحج، حيث دون بالتفصيل اغلب الاثار والاضرحة وما في داخلها من لقىً ومجوهرات ومقتنيات وهدايا وغيرها الى ان تم “عقد نجد” او “عقد الدرعية” بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب عام (1744) فحول الشيخ محمد بن عبد الوهاب التشدد والخشونة الى “مذهب فقهي” يعتمد على التكفير والاتهام بالشرك والتهديد بهدر الدم وسبي الذراري لكل من ارتكب سبباً من اسباب التكفير عنده “وما اكثرها”.
كما امر بهدم المشاهد الاسلامية والاضرحة والاثار واعتبار كل ما عليها وما فيها غنائم وبدأ ابن عبد الوهاب العمل بيده حيث حمل فأسا باليوم الثاني من توقيع “عقد نجد” واتجه الى قبر “زيد ابن الخطاب” الاخ الاكبر للخليفة عمر بن الخطاب الذي استشهد في حرب “الردة” في اليمامة بنجد، وكانت الناس تزوره وتتبارك به وعليه قبة فهدمها عبد الوهاب بفأسه فكانت منطلقاً لغزوات محمد بن سعود ثم لعبد العزيز بن محمد بن سعود، حيث هجموا على مكة والمدينة ونهبوا كل ما فيها من مقتنيات واثار وهدموا ما تمكنوا منه، ثم باعوا هذه الغنائم لشراء الاسلحة وتوزيعها على الجند، بعدها هجموا على مرقد الامام الحسين واخيه العباس “عليهما السلام” وذبحوا نصف سكان كربلاء انذاك ونهبوا كل شيء وربطوا حيواناتهم في المراقد الشريفة .
وعلى مدى المائتي عام الاخيرة قام المحسوبون على هذا التيار التكفيري بهدم عدد كبير من الاثار والقبور الاسلامية في اكثر من بلد.