الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


د. سيف الدين زمان الدراجي*||

سلسلة مقالات في إستراتيجيات الأمن الوطني ومواجهة التحديات. الحلقة السابعة
” Elements of National Power “

تعتمد إستراتيجيات الأمن الوطني بمفهومها العام على عناصر القوة الوطنية التي تُحدد القوة الشاملة للدولة وقدرتها على الأستجابة للظروف الطارئة ومواجهة التحديات.
نصح الدبلوماسي والسياسي الإيطالي نيكولا ميكيافيلي – صاحب النظرية الميكافيلية- أمراء إيطاليا في كتابه الأمير “The Prince” -وهو دليل للسياسيين على استخدام المكر وعدم الرحمة للوصول إلى مبتغاهم وأهدافهم- أن يكونوا “مُخيفين” أكثر مما يكونوا “محبوبين”، وهذا الامر ينعكس على الدول ايضا. إلا إن عالم السياسة اليوم وشكل المنظومة الدولية والنظام العالمي يتوجب أن تمتلك الدول هاتين الصفتين معاً.
إن الدول التي تُحسن تعاطيها وإدارتها أو بتعبير أدق “فهمها” لعناصر قوتها- بعد تحديدها بالشكل الذي يضمن توجيهها بمسارات معُينة نحو أهداف مُعدة مُسبقاً من قبل واضعي الأستراتيجيات الوطنية لاسيما مايتعلق منها بالأمن القومي وفق أسس رصينة لتقييم المخاطر التي تواجه الشعوب – سيتسنى لها تعزيز وجودها وقدراتها والمحافظة على قيمها المجتمعية والدفاع عن مصالحها ككيان مستقل في ظل متغيرات التوازن الدولي والأقليمي ضمن نظام عالمي ينتقل من هيمنة القطب الواحد والقوة الوحيدة لأقطاب متعددة وقوى ناشئة.
إن مفهوم القوة يعني القدرة على التأثير والنفوذ لتحقيق الأهداف، وهو مصطلح يجسد أحد أهم المحددات الرئيسية لفهم سلوك الدول.
لقد تطور مفهوم القوة مع تطور نظريات العلاقات الدولية والتي ابرزها النظرية الواقعية Realism والنظرية الليبرالية Liberalism لتقسم الى:
١- القوة الصلبة Hard Power والتي تعتمد بشكل أساس على الأمكانات العسكرية والترسانة الحربية لإخضاع الدول، وقد تم إضافة العامل الأقتصادي كسلاح أخر لفرض العقوبات ومعاقبة الدول المُعارضة. يعتبر الباحث الأميركي جون ميرشايمر أحد رواد هذا المفهوم.
٢- مفهوم القوة الناعمة Soft Power
يعتمد هذا المفهوم بشكل أساس على إستمالة الدول وشعوبها بالإغراء والإقناع من خلال إستخدام الدبلوماسية والمعلوماتية كالاعلام ومواقع التواصل الأجتماعي فضلاً عن الدعم المالي والأقتصادي لأبراز القيم الديمقراطية وحريات التعبير لتحقيق أهداف معينة ورسم صور جاذبة للمتلقي. ويُعد استاذ العلوم السياسية جوزيف ناي أحد أهم رواد هذا المفهوم.
٣- القوة الذكية Smart Power
وهو مفهوم يمزج مابين القوتين الصلبة والناعمة في رسم سياسات الدول الخارجية. وتعتبر الباحثة والمدافعة عن حقوق الانسان سوزان نوسيل أحد أهم رواد هذا المفهوم.
٤- برز مفهوم آخر للقوة طرحته الباحثة جيسيكا لودفيك في العام ٢٠١٧ مشيرة الى مصطلح آخر هو ” القوة الحادة Sharp Power ” الذي يعارض في جوهره قيم الديمقراطية ويسعى لخلق نظام عالمي جديد من خلال محاولات دولة ما التلاعب الإعلامي، وإدارة المعلومات المتعلقة بها في وسائل الإعلام، والأنظمة التعليمية لبلد آخر، بغرض إخفاء الحقائق أو تحويل الانتباه عن المعلومات السلبية داخلها او التضليل أو تشتيت الرأي العام في البلد المستهدف.
مما تقدم أعلاه، نستنتج بأن هناك اربع عناصر أساسية للقوة الوطنية هي؛ العسكرية Military والمعلوماتية Informational و الدبلوماسية Diplomatic والأقتصادية Economic ويطلق عليها أختصاراً باللغة الإنكليزية DIME.
ترتكز هذه العناصر الأربعة بشكلٍ أساس على أُطر الإبداع والإبتكار والقدرة على التحليل، بالإضافة الى كفاءة وإخلاص المُكلفين بمهام التخطيط والتنفيذ لتحقيق الأهداف و مواجهة التحديات

*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي. عضو الأكاديمية الملكية البريطانية لدراسات الدفاع.