الجمعة - 29 مارس 2024

ماهو حقيقة الإنفتاح السعودي على العراق مجددا؟ (( قراءة استشرافية ))

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024

عباس خالد

مقدمة :

يأتي تطور العلاقات بين العراق والسعودية متسارعا هذه المرة وعلى مسارات عدة، متخذا المسار السياسي والإقتصادي والأمني هدفا لتطبيع العلاقات،

رغم المبادرات السابقة التي سعى لها العراق بدعوة السعودية للإنفتاح على الوضع العراقي والتفاهم حول المصالح والكف بتدخلها بالعراق من خلال دعمها لكتل بحد عينها وتحريضهم ضد العملية السياسية منذ 2003 . ومحاولات رؤساء الوزراء المتعاقبين على الحكومة العراقية المالكي والعبادي بالمبادرة لتطبيع العلاقات من أجل تخفيف الضغط الذي تمارسه السعودية في العراق أنذاك، و قد انتجت هذه التفاهمات الشكلية بتشكيل لجان تنسيقية ادت فيما بعد الى فتح السفارة السعودية في بغداد عام 2015 وتم تعين ثامر السبهان سفيرا و الذي بدأ يتدخل بالشأن العراقي بشكل صارخ وأصبحت تصريحاته ضد الحشد الشعبي وتحركاته داخل البلد مثارا للجدل وتصعيدا إعلاميا ودبلوماسيا وتسميم العلاقة من جديد وكان وقتها لا يزال العراق يصارع الإرهاب المدعوم سعوديا وتم إتخاذ الموقف بطرده أو تبدليه وبالفعل تم تجميد العمل الدبلوماسي بعد خروج مظاهرات امام السفارة السعودية وفي عموم العراق .

وكانت خطوة الإنفتاح العراقي لاحتواء تدخلات السعودية والحد من دعمها للإرهاب التي أشارت قاعدة البيانات الاستخبارية العراقية و الأجنبية، وما كان معلن يكفي لإدانة السعودية دوليا في ارتكابها جرائم ضد الإنسانية وإحصائية 5000 آلاف انتحاري سعودي الجنسية فجروا أنفسهم في العراق كان دليلا دامغا لإدانتها.

ماهي الأمور التي كان يطلبها ولايزال يسعى إليها العراق من السعودية ولم تلتزم بها؟ .

أولا – على المستوى الأمني:-

السعودية ومن خلال كل الوثائق والأدلة أدخلت الإرهابين

للعراق على طول الخط من القاعدة، وداعش، والحركات التكفيرية والجهادية ومولتها لوجستيا بالكامل وشنت حرب على تدمير العراق علنا وهذا ليس مخفيا على دولي، وأرسلت الانتحارين بالآلاف لتفجير أنفسهم في العراق، وراح ضحية هذه الحرب عشرات الآلاف من الضحايا والشهداء وتدمير البنى التحتية بشكل مرعب .

2- تعلن السعودية من خلال تصريحات وزراءها وسياسيها إعلاميا وفي والمحافل الدولية أن الحشد الشعبي مليشيات إرهابية وهي مدركة دور الحشد في التصدي لإرهاب داعش الذي تدعمه المملكة ويعتقد بمذهبها الوهابي ويعتبره منطلقا فكريا وعقائديا في القتل واستباحة الدماء والغزو.

ثانيا – على المستوى السياسي:-

دعمت السعودية الأحزاب والشخصيات السنية بشكل طائفي، وقومي ،وتقسيمي ، وظهر ذلك بشكل حاد من خلال ممارسة الأحزاب التي تتخذ النهج السعودي داخل العراق، وجعل العملية السياسية مرتبكة في تأجيج الشارع السني من خلال التصريحات وتعبئتهم ضد الحكومة والدولة وتحولت إلى منصات إعتصام ومن ثم احتلال المدن من قبل داعش .

1- دعم حزب البعث المنحل وهيكلته على شكل مجاميع ساهمت في الإرهاب بشكل كبير مثل النقشبندية وثوار العشائر ومسميات دينية واجتماعية أخرى صنفتهم بشكل كل مجموعة تأخذ مجالها في الإرهاب والتخريب.

2- إرهاب السعودية ليس محلي بل كونت تحالف من الدول الخليجية في نفس التوجه وامتدت تحالفها ضد العراق بالتعاون مع تركيا وإسرائيل في إدخال الإرهاب وأعطت الضوء الأخضر لكل خلاياها في آسيا ، والشرق الأوسط ،وأوربا بالتوجه إلى العراق، وسوريا ،وروجت لهذه المعركة الحاسمة وتمت هذه العملية بطرق مخابراتية معقدة أعلن عنها رئيس وزراء قطر السابق الأمير حمد بتعليقه ” تهاوشنا على الصيدة” أي اختلفوا على المكاسب وطريقة الإرهاب ووسائله واعترفوا التخطيط أمريكي إسرائيلي بإدارة جزء كبير تديره السعودية. واستثمرت السعودية مع أخواتها من دول الخليج عشرات المليارات لتدمير العراق إلى الأبد لولا عدالة الله وإرادة الشعب العراقي من المجاهدين التي تككلت الجهود في النصر المؤزر.

3- السعودية أسست فضائيات للشخصيات السنية المتطرفة لمرحلة التعبئة وساعة الإنفجار استثمرت الأزمات الخدمية والأمنية والصراع بين الأحزاب وطبيعة الأداء الحكومي المتعثر وعملية الفساد الكبيرة وأزمة الإقليم الكردي ومشاكله مع الحكومة المركزية مستثمرة طموح الكرد في الإنفصال وتأثيره على أمن إيران والعراق ستراتيجيا. وأسست مراكز دراسات وبحوث لتكون واجهات لطرح جديد ضد العملية السياسية وتسويغ ممارسات الإرهاب في العراق ويكون غطاء سياسي من خلال الكيانات السياسية في البرلمان المدعومة من قبلهم ويخرج إنتاج هذه الأفكار والمشاريع إعلاميا تحريضيا تعبويا ،وطائفيا وقوميا من خلال استخدام مفردات كثيرة. الصفيون، الفرس المجوس، جيش المالكي وليس الجيش العراقي، الخ من المفردات التي تشحن الشارع وتحوله إلى بيئة حاضنة للإرهاب والمراحل التي تنوي عليها. ولاتزال هذه المنصات من الفضائيات وآلاف المواقع والمدونات والجيوش الإكترونية والمراكز الدراسات تمارس نفس المنهج والتصور عن العراق ولم يؤثر أو يخفف الإنفتاح عليها ومستمرة با إستضافة الشخصيات البعثية والطائفية.

4- السعودية دعمت ما سمتهم بالمعارضة العراقية ضد العملية السياسية والنظام الجديد في العراق وكان نواة هذه المعارضة حزب البعث في الأردن ،وأوربا وأقامت لهم مؤتمرات في الدول العربية وتركيا ،وأمريكا ونظمت مؤتمراتهم من خلال سفاراتها وبدعم مالي سخي من خلال مكتب العلاقات العامة في وزارة خارجيتها ومؤسساتها الاستخبارية في الخارج وتأثيرها على بعض الشخصيات السياسية الغربية والاقتصادية، والإعلامية والفنية، لتكون غطاء لهذه الممارسات ضد العراق .

5- عملت السعودية جاهدة دوليا واقليما على حث الدول أن العراق دولة مفككة وتظطهد المكونات ودولة خطرة على السلم الدولي وبلد مليشيات وتأتي هذه الجهود لإضعاف الدور العراقي في انفتاحه السياسي والإقتصادي وأثرت في الجامعة العربية في هذا المجال إظافة إلى تطابق الرؤية الإسرائيلية معها.

ثالثا – المستوى الديني والفكري:-

عملت السعودية على عدة مستويات في هذا الجانب.

1- المؤسسة الدينية السعودية نشطت في الفتاوي ضد الوضع في العراق واغاضها أخذ الأغلبية الشيعية دورهم التاريخي الديني والسياسي وصدرت الفتاوي التكفيرية ضد بما تسميهم ” الرافضة ” بما يختزن هذا المصطلح من استباحة الدماء والأعراض والأرض ضد الشيعة ومن يدعمهم في حقهم الطبيعي وممارسة دورهم الديني والفكري والسياسي في بلدهم.

2- أسست فضائيات ذات برامج فقهية ودينية وفكرية تحرف حقيقة المذهب الإسلامي الشيعي وتلفق التهم والانحرافات ضده وتثير أثناء حوارتها الطائفية ضد المذهب وتركز على الروايات وكتاب المستشرقين والإسرائيليات والوضاعين والفرق المنشقة وتنسبها إلى الشيعة لاستفراغ الفكر من محتواه الإسلامي الحقيقي.

3- دعمت وأسست تيارات منحرفة مستثمرة الفراغ الفكري والثقافي والأمني والسياسي وتنسبها للمذهب الشيعي وضرب المرجعية التي تعتبر عنصر قوة لحماية المذهب ،ومن هذه التيارات أكثرها تنسب إلى المهدوية مثل جند السماء، وأحمد الحسني الذي يدعي الإمام المهدي ومجاميع كثيرة في هذا الإطار .وتأسيس هذه المجاميع يأتي لإضعاف الكيان الشيعي وإثارة إلاقتتال لما له أثار ونجحت في بعض المراحل بهذه المشاريع ولاتزال تداعياته الفكرية والأمنية مستمرة.

3- تعميق المشاكل الشيعية الشيعية من خلال زيارتها ودعمها لأطراف تدعي المرجعية واحتواءها وبذخ المال عليها وتأسيس مؤسسات لها وإبراز نشاطاتها في الإعلام التابع لها والذي أسسته مثل فضائية وصال وغيرها، إظافة إلى المراكز البحثية التعريفية في هذا المجال ومواقع الكترونية تضخ الكتب والمقالات والحوارات وتتابع وتروج للفتاوي الوهابية والتكفيرية والتحريفية وتجذير هذا الفكر في بلاد الرافدين .

رابعا- في المجال الإقتصادي:-

1- السعودية لم تدعم العراق اقتصاديا وممارساتها في رفع الإنتاج النفطي أكثر من 10 آلاف برميل وعدم التزامها بالسياسة النفطية والاتفاقيات أضر العراق كثيرا في إنخفاض أسعار النفط الذي يعتبره العراق المورد الوحيد في هذه المرحلة الإنتقالية في بناء الدولة الجديدة.

2- السعودية في كل المؤتمرات الدولية المانحة للعراق لم تساهم حتى برؤية أو منحة بل العكس من ذلك كانت تضغط على الدول الخليجية والعربية وتعطيها الإمتيازات لتمنعها من الإستثمار في العراق حتى لا ينهض اقتصاديا ويصبح دولة منافسة لما يملك من موارد الطاقة في كل المجالات وبالتالي يضعف دورها التي تعتمد في ارساءه من خلال تصدير الفكر الإرهابي الوهابي والرشاوي المالية الكبيرة لإرضاء الدول واخضاعها كما حصل مع مساومة ترامب لها لحمايتها من إيران كما يصور لهم ودفعت لهذا الوهم 400 مليار دولار. لو دفعت ثلثه للعراق أو المنطقة لساهم في بناء الدول واستقرارها إظافة إلى سيطرتها لحد الآن على آبار عراقية من خلال دول خليجية مثل الكويت.

3- السعودية أغلقت المنافذ الحدودية و الإقتصادية منذ 2003 وكان العراق في أمس الحاجة للورادات الإقتصادية إلا نشاط لايرتقي للدعم .

5- عمليات التهريب المستمرة التي تمارسها السعودية من الثروة الحيوانية من الأغنام، والإبل وكاد يستفرغ العراق من هذه الثروة المهمة واشترتها با أسعار باهظة وذلك يأتي في إطار التدمير الإقتصادي للعراق.

6- فتحت الحدود البرية والبحرية لتهريب المخدرات والأسلحة والكواتم بالتعاون مع دول خليجية وشحنة مخدرات القادمة من الإمارات بحمولة 16 مليون حبة مخدرة والاسلحة هي شراكة مخابراتية خليجية بدعم سعودي لتدمير طاقات الشباب واستغلاله بالتخريب وتعطيل طاقاته الإنتاجية.

5- السعودية كانت من الداعمين والمؤيدين لمشروع ميناء مبارك داخل خور عبد الله لخنقه اقتصاديا وبحريا مستخدمة نفوذها على الدول الخليجية في مشروعها الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة.

6- الإرهاب الذي تدعمه السعودية تم توجيهه بسياسة الأرض المحروقة ودمرت جميع المؤسسات النفطية والحقول والمصافي، والمصانع ،والجسور والجامعات، والمدارس والمستشفيات، والأثار ،والمساكن وكل المرافق العامة الحيوية وقدرت اللجنة المخصصة لإعادة إعمار المناطق المدمرة بسبب الإرهاب المدعوم والموجه سعوديا وإسرائيليا وأمريكا ب 100 مليار دولار وهذا المشروع الإرهابي الذي يتخذ الفكر والعقيدة الوهابية دستورا كان يوجه من السعودية مباشرة وفق خطط وعمليات مدروسة لتدمير البنى التحية للعراق لما له أثر في ابقاء الوضع أن يكون لها التأثير في التخريب .

من خلال هذه القراءة السريعة حول الدور السعودي وممارساتها ومراحل انفتاحها على العراق يظهر أن السعودية عملت بمنظومة متكاملة لتدمير البلد بشكل يحتاج عقود ووقت للنهوض ، وخلقت تحديات أمنية وسياسية ،واقتصادية ،وفكرية للتعافي منها وإصلاحها.

وتأتي مبادرتها بالانفتاح قلقة في تطوير العلاقة دون الإعتراف بدورها التخريبي طوال خمسة عشر عاما، وما خلفته سياستها أتت بمشروع ناعم لين الوجه بعد إنتصار العراق على الإرهاب الذي صنعته في المنطقة.

أن السعودية لديها شراكة مع أمريكا وإسرائيل وخطة جديدة بعد داعش وهذه عملية إحتواء تمارسها و فتح السفارة والقنصليات إلا مراكز إعداد للمرحلة القادمة لترتيب الوضع في العراق واحتواء انفتاحه الدولي والإقليمي. وهي الان في مأزق بعد إنتصار العراق و لم تحسم معركتها في اليمن وسوريا وتريد إعادة التوازن وخوفها من مصر وتركيا الدول السنية المنافسة لموقعها، وفي انفتاحها على العراق تريد التخفيف من الضغط الإيراني الذي يحاصرها لذلك عملت على إحتواء بعض الكتل الشيعية وأعلنت هدفها في تطور العلاقة كما تدعي ويتصور لها كسر النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة ،وبدعم إسرائيلي أمريكي وتريد من هذه الفعاليات جعل العراق وسيلة للصراع وليس فتح مجالات إقتصادية وسياسية كما يعلن الإعلام عن ذلك.

أن سياسية ترحيل الأزمات بين البلدين هي عملية استهزاء كبير بالضحايا والخسائر بدون تعويضات آلاف الشهداء الذين لهم أولياء دم من الجمهور كيف تستطيعع الحكومة العراقية إقناعهم بالدور السعودي الجديد؟ وقوات الحشد الشعبي تعتبر السعودية عدو يهدد وجودها ويستهدفها كيف تطمئن هذه القوات ولا يزال الإعلام السعودي لم يغير موقفه السياسي ويسمي الحشد بالمليشيات والعصابات والمتابع يشاهد أن السعودية تدعو للثورة والانقلاب في العراق بعد السودان وسؤالها المركزي لمن تستضيفهم في قنواتها ” من هي الدولة العربية المرشحة بعد السودان والجزائر بتغيير نظامها ؟ الجواب الذي تسوقه ؛ هو العراق!

إذا السعودية لا تسعى إلى علاقة ستراتيجية مع العراق قائمة على تبادل المصالح وإحترام السيادة بل إلى تقويض النظام السياسي والأدلة واضحة ذكرناها في مقدمة الرؤية وكررناها كثيرا وبقصد.

أن التباين بين العراق والسعودية سياسي وعقائدي وتباين في الرؤيا في مواقفها ضد المنطقة في لبنان وسوريا واليمن وعلاقتها مع إسرائيل كل هذه الأجندات المتشابكة ترسم مستوى العلاقة وتبين مدى أفقها مستقبلا. وأعتقد أن السعودية تقوم بعملية إحتواءية بعد فشلها في عدة جبهات وهي غير جادة في علاقتها في انفتاحها على العراق بل تريد جعله وسيلة صراع جديدة وهذه مرحلة تكتيكية وقتية وليس علاقة إستراتيجية.

إن مثل هذه العلاقات تحتاج إلى اتفاقيات موثقة بصكوك دولية أممية بعد التجارب والإجرام والإرهاب الذي دعمته ووظفته السعودية في العراق لذلك تحتاج العلاقات إلى توازن ومصاديق.

ولايزال إعلامها ليل نهار يدعو إلى الثورة والانقلاب في العراق ! وتسب طوائفه وتوظف أزماته وتسمي أجهزته الأمنية والقتالية بالمليشيات والعصابات لذلك لايبدو السعودية تريد تغير موقفها، والعراق يجب أن يغير موقفه اتجاهها ويحترم دماء شهدائه ،وأمنه ،وإقتصاده ،وفكره ودينه، وحدوده ،وسيادته، ويعلن أهداف الانفتاح الحقيقية التي تسعى إليها السعودية وهي جعل العراق بلد فاشل وضعيف ووسيلة للصراع كونها تعتبر إستقرار العراق ونهوضه مقتل مملكتها المحاطة بالصراعات التي تخوضها مع الدول الإسلامية وتدميرها خدمة للأمن الإسرائيلي ومزيد من الهيمنة الأمريكية.