الخميس - 28 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


د. محمد القريشي ||

“تحدث عن البؤس في الحياة أيضا، والذي يجعل الناس يحلمون، فإما أن تحقق لهم عيشا رغيدا، أو لا توقظهم من أحلامهم”….
هذا ما كان يوصي به زوربا صديقه باسيل الذي تعرف به عن طريق الصدفة… وحين جادله الأخير، بأنه حر، ردّ عليه زوربا بمنطق حكيم:
“أنت لستَ حرّاً، فقط ربطتَ نفسَكَ بحبلٍ أطول من حبل الآخرين….فالحرية تعني الذهاب حتى النهاية؛ الانتصار أو الجنون! ”
نشرت رواية زوربا, عام ١٩٤٦ لكاتبها اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، واكتسبت شهرة كبيرة في الاوساط الثقافية العالمية، لدرجة دفعت الاديب الفرنسي البير كامو ، الى التصريح بعد فوزه بجائزة نوبل للاداب عام ١٩٥٧، بان (كازانتزاكيس يستحق الجائزة، مئة مرة أكثر مني)…
تدور الرواية حول شخصيتين من عالمين مختلفين: الأولى, شخصية “باسيل” راوي الحكاية، وهو كاتب إنكليزي نصفه يوناني، يرث منجماً للفحم الحجري في جزيرة كريت اليونانية. والشخصية الثانية هو زوربا، العامل العجوز البسيط الذي يبحث عن عمل. يقرر باسيل أن يغير نمط حياته، فيسافر الى كريت، ليتعرّف إلى أملاكه ويفتتح المنجم القديم. وإذ به يقوم برحلة يكتشف فيها ذاته، ويتحرر من أوهامه الشخصية على يد زروبا، ويجري ذلك بالحوار بينهما تارة وبالشجار تارة…باسيل القادم من مجتمع مرموق ونخبوي، سيتعرّف خلال محاولته استثمار المنجم على مجتمع مغاير لما ألفه، مجتمع تحكمه تقاليد صارمة، تصل حد القسوة، ومن جهة أخرى هو مجتمع قريب من الطبيعة بل يكاد يندمج معها. في وسط هذه البيئة الجديدة سيقف باسيل مندهشاً أمام فلسفة زوربا في الحياة وخبرته العميقة التي اكتسبها من خلال رحلاته المتعددة في اليونان ومقدونيا وروسيا وغيرها. ويجد باسيل أن الكتب الكثيرة التي قرأها وكتبها لا تكفي لتفسير تفاصيل العلاقات الإنسانية والرغبات والتوجهات المختلفة، فيما ينجح زوربا ببساطته وتعلّقة بمفردات الحياة والطبيعة أن يقدّم له الكثير من الإجابات والحلول…. يسأل زوربا صديقه باسيل :
– هل تستطيع أن تخبرني لماذا يموت الإنسان يا باسيل؟ ما الذي تقوله كتبك عن هذا؟
– إن الكتب لا تجيب عن هذه الأسئلة وإنما تتناولها وتحاول تفسيرها.
– أني أبصق على كتبك
وهكذا يدهش زوربا صديقه والقراء، بمواقف تظهر عشقه للحياة ، بتفاصيلها المختلفة، دون ان يمنعه انغماسه المفرط في تفاصيلها الحسية ولذّاتها العابرة، من الاستغراق في الخصائص الروحية لها، من خلال التأمّل في كل شيء روحاني…. صوت أمواج البحر الهادرة، أو زقزقة عصفور، حتى الصخور الصمّاء المتدحرجة ، تجعل زوربا أمامها مبهورا ومذهولا، أمّا السكون المطبق عند الفجر فله روحه الساحرة، التي تجعل زوربا تائهاً، في عالم الخيال والتفكر.
زوربا، من ناحية أخرى رجل يجمع داخل جسده العجوز، نقيضين، هما صلابة الجسد المتمثل بقوته البدنية الهائلة، إضافة الى الاحساس المرهف بالموسيقى
.يرى زوربا السعادة من خلال رضا الروح وقناعتها ليقتنع ، الجسد بالقليل وهذا يكفي ليبقى الانسان قويا وحيا حتى اليوم التالي… ، كما أن علاقاته بالآخرين قائمة على أساس أن تساعدهم بأن تقدم لهم الأفضل وأن تدلهم على عالم أفضل ليعيشوا فيه، وإلاّ فإن تركهم بحالهم المزرية سيكون خيارا جيدا ان لم يكن لديك ما تقدمه لهم….
سأل باسيل زوربا في لقاءه الاول به :
ما اسمك ؟ فاجابه
– الكسيس زوربا ، و في بعض الأحيان يدعونني ” مجرفة الفئران ” لأنني طويل القامة وجمجمتي مسطحة و تشبه الكعكة ، كما أنني أدعى ” مضيّع الوقت ” لأنني كنت أبيع البزر المحمص في وقتٍ من الأوقات ، و هم يدعونني أيضا ” المعفن ” لأنني أسبب المشاكل أينما حللت ، كل شيء يذهب للكلاب ، و لي أيضا أسماء أخرى ، و لكني سأدعها لفرصة ثانية….
وبعد علاقة طويلة تخللتها حوارات فلسفية وانكسارات، وفشل باسيل المثقف والثري في استثمار منجمه، وتداعي أحلامه في جزيرة كريت، اكتشف الاخير بانه ربح تجربة ثرية من خلال علاقته بالرجل البسيط والانسان زوربا واقتبس منه روح التفاؤل وحب الطبيعة والسعادة، رغم نفوره من الكثير من عاداته…
وقبلك موته، بعث زوربا وصيته الى باسيل :
(لقد قمت باشياء كثيرة خلال حياتي ، واعتقد بان كل ما قمت به ليس كافياً… إن الرجال أمثالي يجب ان يحيوا مئات السنين … ليلة طيبة ….)