الجمعة - 29 مارس 2024

الموازنة وأساليب المراهنة

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


سعد الزبيدي * ||

مرت شهور أربع والمواطن المغلوب على أمره في انتظار أن تلتزم المنظومة السياسية باخلاقياتها وتكون صوت المواطن والمدافع عنه ولكن أنانية البعض وحب التفرد بالسلطة واختلاف الرؤى بحجج واهية والتمسك بشتى الذرائع جاء بما لا يخدم المواطن ويتضح أن بعض القوى أدمنت الانبطاح من أجل وعود للوصول لسدة الحكم في الحكومة القادمة وبعد التصويت على قانون الموازنة ستشهد الأسواق العراقية ارتفاعا كبيرا في سعر صرف الدولار الذي سينعكس سلبا على المواطن العراقي حيث سترتفع الأسعار ارتفاعا يزيد من إحباط المواطن الذي فقد ثقته بالمنظومة السياسية التي قررت أن تلجأ لجيب المواطن كي يدفع فاتورة فشلها في الأزمات التي اوجدتها نتيجة تخبطها لعدم امتلاكها نية حقيقية لوضع خطط استراتيجية للتعامل الجدي والواقعي للخروج من الأزمات والتخطيط المستقبلي وراحت تحاول ذر الرماد في العيون بتصويتها على الموافقة لمنح أراضي سكنية لجميع الفئات من دون الالتفات لحاجة تلك الأراضي إلى تخطيط عمراني وبنى تحتية ورصد أموال من أجل إقراض المواطن في بناء بيته والمدن الحالية تعاني من نقص في الخدمات وتهالك البنى التحتية وإقرار الموازنة سيكون له ردود فعل وتأثير مباشر على الانتخابات القادمة حيث سيكون هناك عزوف كبير عن المشاركة بها من جهة لأن المواطن فقد ثقته بالمنظومة السياسية التي طعنته وخانت وعودها في تقديم الحلول للمشاكل التي تواجهه ومن سيشارك في التصويت سوف لن يمنح صوته لكل جهة حزبية صوتت على الميزانية. ومن الغريب جدا أن نرى تيارا له قاعدة شعبية واسعة من الفقراء والعلطلين عن العمل وسكان العشوائيات يقدم حججا غير منطقية فتارة يبرر أن قرار سعر الصرف يؤثر على الجارة إيران وتارة يرى أن المالكي مصر على عودة سعر الصرف إلى سابقه عهده ويجب مخالفة المالكي مهما تكن النتائج انطلاقا من مقولة :- مخالفة المخالف واجبة.
تبرير عجيب لا يتلائم مع المنطق السليم ولا شعارات سائرون التي رفعت شعار الإصلاح هذا يثبت بما لا يقبل الشك أن تمزيق وحدة صف البيت الشيعي هي ليست مؤامرة خارجية بل هي إرادة داخلية طمعا في الوصول إلى الكرسي والدورة القادمة إذا لم يتم تحجيم تطلعات التيار الصدري فأنا أعتقد أن بقية المكونات سوف تجني أكثر مما تصبو إليه إذا ما أصبحت الحكومة فعلا بيد التيار الصدري لأن الآخر مستعد لتقديم كل التنازلات من أجل حكم العراق من جهة وتفتيت البيت الشيعي من جهة وتحجيم العلاقات مع الجارة إيران التي آوت التيار الصدري أبان الحرب مع القوات الأمريكية المحتلة ودربت ودعمت التيار الصدري ماديا ومعنويا وكانت الملاذ الآمن لخلواته ودراسته!!!
وللأسف الشديد خلت الموازنة من وضع حلول حقيقية لملفات الطاقة والصحة والتعليم وكانت الموازنة تصب في مصلحة الأكراد الذين استغلوا حالة تشرذم البيت الشيعي وحققوا ما كانوا يصبون إليه فلا جداول حقيقية لعدد موظفي الأقاليم الذين يتجاوز عددهم ٤٠٪ من موظفي العراق والتعامل بخنوع مع حكومة الإقليم التي تشترط تسليم نصف ما تصدره لإسرائيل ونصف المنافذ الحدودية الرسمية وهي بذلك تمارس مواطنة من نوع جديد فهي تريد حقوقا بلا واجبات وتشارك في نفط البصرة وبقية محافظات الوسط والجنوب وكأنها دولة ثانية تفرض أخذ الإتاوة من الدولة الأم. ولا أعرف ما المبرر في ذلك وهل تستطيع أي محافظة من محافظات الوسط والجنوب تمتنع عن تسليم كامل صادراتها النفطية أو نصف واردات منافذها لحكومة المركز؟!!!
ومن الغريب جدا أن تتغاضى حكومة المركز ومجلس النواب عن منع حكومة الأقاليم دخول لجان من ديوان الرقابة المالية العراقية للتدقيق في سجلات الموظفين واردات الإقليم من صادرات النفط والمنافذ الحدودية والجميع يعلم أن هناك تزوير واضح وتلاعب حتى سجلات النفوس حيث منحت الهوية العراقية لعشرات الآلاف لأكراد سوريين وأتراك وأصبحوا مواطنين عراقيين يتقاضون رواتب من الحكومة العراقية وبعضهم مشمول بالرعاية الاجتماعية الأدهى من ذلك هناك كثير من هؤلاء في البيش مرگة وفي أجهزة الدولة الأمنية.
ما السر وراء الموافقة على مطالب الأكراد وهذا الانبطاح أمامهم؟!!!
السبب ان هناك مصالح مشتركة وهناك سرقات مشتركة وهناك أوراق ضغط يمتلكها البرزاني ضد الكثير من السياسيين تثبت تورطهم بسرقات وملفات فساد مالي وأخلاقي فلا يخفى على الجميع تهريب النفط من بعض حقول نينوى وتقاسمه مع بعض الشخصيات الشيعية والكردية والبر اني المدعوم من أمريكا والكيان الصهيوني سيستمر بحلمه من أجل إقامة دولة كردية هو من خان العراق وشعبه وباع نفط العراق ب٢٠ دولارات لتركيا لمدة خمسين عاما وهو نفسه من امتنع من تسليم حكومة المركز ولو برميلا واحدا منذ عام ٢٠١٤ وكانت صادرات النفط والمنافذ الحدودية تذهب لجيبه ولجيب أعضاء حزبه هو نفسه من يتكلم عن العدالة والمساواة والحقوق.
إن حالة عدم الثقة بالنفس وعقد الماضي وبعض العقول المريضة التي تكن العداء لأبناء مذهبها وتحاول جاهدة من أن تغرد خارج السرب خدمة لمصالح جهات الاحتلال أو قوى داخلية معروفة بدعمها الاحتلال والكيان الصهيوني وقوى عربية لطخت ايديها بدماء العراقيين وكانت سببا في تدميره وتفتيت وحدته ودعم القوى المتطرفة التي مازالت تهدد أمنه هذه الجهات يجب أن يكشف الستار عنها كي يثبت زيفها فيما ترفعه من شعارات رنانة ولابد من رص الصفوف في الانتخابات القادمة عن طريق الدعوة لمناظرات كي تفضح من يريد الوصول إلى كرسي تحت أي ذريعة.
مررت الميزانية بعد صفقات سياسية مشبوهة ووعود بتحالفات مستقبلية في الانتخابات القادمة وللأسف الشديد جاءت الموازنة مخيبة لتطلعات المواطنين وشرعت الموازنة بعدم المساس برواتب الدرجات العليا من رئاسات ثلاث وتم رفع ضريبة التدخين مائة بالمائة وضريبة السيارات إلى عشرة بالمائة وخلت الميزانية من حلول حقيقية لإنهاء ملف الطاقة ومن المتوقع أن يزداد عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر في ظل موازنة لم تنصف الفقير والطبقات المتدنية من المجتمع والمسحوقين الذين سيعانون من أجل الحصول على رغيف الخبز مع غياب لمواد الحصة التموينية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وبقية الخدمات.
للأسف الشديد أثبتت التجربة أن التصويت على الميزانية أن المنظومة السياسية بواد والمواطن بواد آخر وعمقت الهوة ما بين المواطن وما بين أحزاب السلطة والتصويت كان قرارا حتى يزداد الأغنياء غنى الفقراء فقرا وأن مستقبل العراق مرهون بيد جهات مصابة بداء حب الكرسي وأنانية مفرطة للبحث عن مصالحها الضيقة واللوم كل اللوم يقع على المواطن الذي يلعن الحكومات ومجلس النواب أربع سنوات ثم يعود لينتخب نفس الجهات تحت ضغط الانتماء القومي والمذهبي والمناطق والمصالح الضيقة والتبعية العمياء.
كل من وافق وصوت على مجيء هذه الحكومة ومن صوت على الموازنة هو خائن للعراق والعراقيين والواجب الوطني والديني والأخلاقي يحتم على عدم التصويت لأي حزب أو تيار أو تحالف باع الوطن والمواطن من أجل مصالحه الخاصة.
ومر الغريب أن تسرع بعض الجهات إلى إصدار بيانات نصر لتمرير الموازنة وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الصفقات السياسية هي من تتحكم بمصير العراق وأن هناك جهات لا علاقة لها بمصلحة العراق والعراقيين بل جل ما يهمها أن تنتصر إرادتها وتحطم وحدة ممثلي مذهبها تحت قبة البرلمان خدمة لأعداء العراق والمذهب دليلنا على ذلك مدى سعادة بعض الجهات السياسية الكردية خاصة التي حققت إنجازا في هذه الموازنة وسعادة السفارة الأمريكية التي نجحت في تحريك بعض البيادق وضمنت ولاءها حتى وإن كانت في البيت الشيعي.
لا أعتقد أن أمر العراق يهم أمريكا من قريب أو بعيد ولكن ما يهمها مصالحها ونجاحها في تحويل أعداء الأمس إلى حلفاء الغد والايام حبلى بالمفاجآت… وأن غد لناظره قريب.
ولن يرحم التأريخ من جعل مصلحته فوق مصلحة العراق والعراقيين.

*كاتب ومحلل سياسي.