الخميس - 28 مارس 2024

مُجاهدونا وُلِدوا من رَحم المحنة والظلم والألم (2-3)

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


عباس سرحان ||

حرر المنتفضون في جنوب البلاد في انتفاضة 1991، المدن الجنوبية الواحدة تلو الأخرى بشكل سريع كشف عن خواء النظام وتنامي ارادة الشعب الذي بدأ يستعيد ثقته بنفسه.
ومما يسجل في تلك المرحلة أنها شهدت أول تلاحم علني بين قوى الشعب المنتفضة في الداخل وقواه الجهادية المسلحة التي تشكلت خارج البلاد ضد الظلم والاستبداد الصدامي.
فكان المجاهدون من الحركات الاسلامية ممن اضطروا الى مغادرة العراق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بسبب بطش السلطة ودمويتها قد نظّموا أنفسهم في عدة دول وأسسوا تشكيلات جهادية مسلحة انطلاقا من قوله تعالى” أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.
وقد ظهرت هذه التشكيلات ومنها فيلق بدر وهو الجناح العسكري للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بقيادة الشهيد محمد باقر الحكيم”رض”، وحزب الدعوة الاسلامية ومنظمة العمل الاسلامي وحركات جهادية اخرى الى جانب المنتفضين في ساحات وشوارع مدن الجنوب.
ومما يجب ذكره ان هذه الحركات الجهادية المسلحة قد تأسست بعد أن استخدم النظام أبشع أساليب القمع والاعدامات والتنكيل بحق المواطنين، ولم يسلم من بطشه حتى علماء الدين والطلبة وصغار السن والنساء.
فقد كان النظام يُطارد كل شخص متدين ويرتاد المسجد ويتمتع بحسن السيرة والخلق ويعتبره معارضا سياسيا ويُصنّفه على أنه من حزب الدعوة الاسلامية، وكانت هذه التهمة تكفي لإعدامه.
فلجأت ثلة من المهاجرين الناجين من بطش نظام صدام، الى الكفاح المسلح للدفاع عن أهلهم ووطنهم والتصدي لبطش النظام الذي كان يواجه الشعب الأعزل بالدبابات والمدفعية والطائرات، ولاشك ان ظاهرة الكفاح المسلح تكون نتيجة منطقية للبطش والديكتاتورية في كل بلد يُبتلى بالمستبدين.
فحين لاتجد الشعوب المقهورة إلا السلاح وسيلة للدفاع عن نفسها واستعادة حقوقها تلجأ اليه مدفوعة بضغط السلطات واستهتارها وجبروتها.
وفي انتفاضة شعبان/ آذار تصدى المجاهدون القادمون من خارج البلاد وخلاياهم السرية والمنتفضون في الداخل لقوات النظام التي منحتها امريكا الضوء الاخضر لإبادة الانتفاضة في جنوب البلاد لاسباب طائفية.
واستعان صدام بما تبقى من قوات الحرس الجمهوري المرتبطة به لإبادة المنتفضين وكتب جنوده على دباباتهم “لاشيعة بعد اليوم”.
ومع أن ثورة العراقيين لم تكن طائفية إنما هي ردة فعل طبيعية ضد ظلم وطغيان السلطة آنذاك، غير أن الغرب والعرب وقفوا ضدها وسعوا لإفشالها وبعث الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية وقتذاك رسالة عاجلة الى رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الأب طالبه فيها بالحيلولة دون نجاح” ثورة الشيعة” في الجنوب.
وقال له بالنص ان” العرب لايتحملون رؤية عمامة سوداء تشغل مقعد العراق في الجامعة العربية وعليكم منع الشيعة من الاطاحة بصدام”.
فسمحت امريكا لصدام باستخدام قواته وطائراته لقمع الثوار في الجنوب بينما منعته من استهداف الاكراد الذين ثاروا هم ايضا، وارتكبت قوات صدام أبشع الجرائم ضد المنتفضين في الجنوب.
ودمرت حتى العتبات الدينية في كربلاء المقدسة أمام مرأى ومسمع العالم ودفنت الاف الثوار في مقابر جماعية كشفت لاحقا، وأُجبر الثوار ومن معهم من المجاهدين من الحركات الاسلامية الى الذهاب في أحد خيارين.
فإما ان يحتموا بالاهوار، وإما أن يلجأوا الى دول الجوار. فاختار بعضهم الاحتماء بالاهوار، وهو خيار صعب جدا بسبب عدم توفر سبل العيش والاستمرار، بينما فرّ اكثر من 500 الف آخرين الى كل من السعودية وايران وسورية.
في السعودية تم حجز المهاجرين العراقيين في صحراء قاحلة في ما عرف بمخيم رفحاء ومنعت السعودية دخول المهاجرين الى مدنها وكانت المخابرات السعودية تتجسس عليهم واعادت العديد منهم الى العراق ليتم اعدامهم.
بينما استقبل الرئيس الايراني الراحل علي اكبر هاشمي رفسنجاني الثوار العراقيين ممن لجأوا الى ايران وطمأنهم وأعرب عن تضامن بلاده معاهم وفتحت ايران مدنها أمامهم ومنحتهم حق العمل والسكن في أي مدينة يشاؤون.
وهو موقف شبيه بموقف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي فتح بلاده أمام اللاجئين العراقيين ومنحهم حق العمل والاقامة والتعليم والتداوي.
ولقصة الهجرة واللجوء والجهاد حكايات أخرى، وللحديث بقية.
ـــــ