الخميس - 28 مارس 2024

إدارة الأزمة وبناء المستقبل (الجزء2).

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


سعد الزبيدي *||

بعد الجزء الأول نشرع في تسليط الضوء على موضوع نعتقد أن على الجميع المشاركة فيه البحث عن أسباب مواصلة الفشل في إدارة الدولة وعدم النجاح في بناء دولة .
إن خوض غمار مثل هكذا موضوع بحاحة إلى شجاعة وجرأة ونكران للذات ومكاشفة ومصارحة والابتعاد عن التعصب والتمسك بأفكار مغلوطة لذلك بعد أن شخصنا بعض عوامل تأخر العراق وفشل حكوماته في بناء دولة المواطنة كان لزاما علينا البحث عن أسباب أخرى مضافة لما ذكر سابقا لايجاد حلول ناجعة لكل السلبيات التي تعيق بناء منظومة حكومية قوية وتسهم في ازدهار الوطن.
هناك خلل في شخصية العراقي التي أدمنت في تأليه اشخاص واتباعهم وطاعتهم طاعة عمياء هذه الشخصية انطلقت في هذه الفكرة من دكتاتورية الحكومات على مر التأريخ التي صيرت الشخصية العراقية مجرد جرم صغير يلف حولها وصيرته إلى شخصية هزيلة فقدت الثقة في نفسها فهي تبحث دائما عن شخصية تخاف منها وتحتمي بها وتسد بها النقص والخلل في شخصيتها لستر عيوبها لذلك كانت معظم القيادات التي حكمت العراق نتيجة فساد الحاشية وتعاملها معها بمنتهى الدونية حتى أن الشخصية ظنت في مرحلة ما أنها تختلف في بنويتها وكينونتها عن بقية الرعية حتى راحت تتمادى في غطرستها نتيجة جبن الرعية وتخضعها وصمتها المطلق عن هفوات القائد وهذا الذي مازلنا نلمسه إلى يومنا هذا فكل الأحزاب تدعي أنها أحزابا ديمقراطية وخاصة التيارات الدينية منها ترفض رفضا قاطعا الحوار الديمقراطي المتمدن ولا تعترف بالرأي الآخر وتتبع شعار الأنظمة الدكتاتورية ( نفذ ولا تناقش) ومن يبدي رأيه أو يغرد خارج السرب فالتهمة جاهزة من أجل تسقيطه وتهميشه ومن هذه المنطلقات استطاعت بعض القيادات بالسيطرة على الجموع وشكلت العقل الجمعي الذي يسهل قيادته وتوحيهه إلى أي وجهة يقررها القائد .
إن ازدواحية الشخصية العراقية نجدها جلية وواضحة فهناك بون شاسع مابين ما يتبجح به وينظر والذي يسقط في التطبيق لذلك كثير من العراقيين تجده بارع جدا في الدعوة الإلتزام بتعاليم الدين ولكنه مع أقرب تجربة يضرب كل دعواته عرض الحائط ويلحأ للأعراف حتى وإن كانت تتضارب مع أولويات الدين ولمسنا هذا بصورة أدق عندما انقلب كثير من المتاجرين بآلام العراقيين والداعين لرفض الظلم والعدل والمساواة ولكنننا نكتشف زيف وكذبه وخداعه عندما وصل للكرسي وتناسى وعوده للجمهور وأصبح شريكا في الظلم الواقع على الجمهور .
إن القيم الاجتماعية تعرضت لأكبر هزة بعد 2003 وهذا أمر مفروغ منه مع كل تغيير جذري في الأنظمة خاصة القمعية وعندما يأتي التغيير من الخارج حيث يعم الهرج والمرج ويطفو على السطح كثير من الشخصيات المغمورة المملؤة بالعقد والتناقضات لتجد لها موطيء قدم وربما تصبح هي المسيطرة على الأمور مستغلة الظروف التي تدفع بالنكرات والأفاقين والمزورين والمدعين وشذاذ الآفاق إلى القمة في غفلة من الزمن وهذا ما سينعكس سلبا على الواقع .
ولا أعتقد أن موضوع صعود التافهين كان مقتصرا على العراق فكل الدول التي مرت بنفس الظروف تعاني نفس المشكلة وما ليبيا وتونس عنا ببعيد .
ولو أردنا أن نحدد أسباب الفشل وهي كثيرة ولا تنحصر في جانب واحد لكننا نستطيع أن نتغلب عليها بوجود إدارة شجاعة وقوية ووطنية نزيهة تستطيع أن تفرض شخصيتها وهيبتها حتى ولو بقوة السلاح ولا بد أن نعترف أن النجاح بحاجة إلى تضحيات سمها ما شئت عنف دكتاتورية اضطهاد لأن الخروج من مأزق كالذي يمر به العراق بحاجة إلى قوة وعزيمة واصرار ونكران للذات من أجل الخلاص من درن وافرازات مرحلة التغيير .ولابد لنا في البداية البحث عن مواصفات ومعايير القيادة التي لابد أن تمتلك إرادة حقيقية ورؤية مستقبلية ونظرة واقعية للأمور كي تنجح وهنا لابد أن نضع هذه القيادة في حساباتها عدة أمور مفصلية ليكتب. لها النجاح فالعراق كان منذ الأزل ملتقى لممالك وإمبراطوريات ومكونات وقوميات وديانات متباينة وكل المكونات يصعب السيطرة عليها إلا بحاكم قوي وحكيم يعرف متى يستعمل السيف ومتى يستعمل المال والحكمة للحصول على التأييد من قبل الجميع فمابين القمع للأصوات النشاز واستخدام الفطنة والذكاء تمضي سفينة الحاكم القوي .
إن المكونات الفسيفسائية المجتمع العراقي تتحول من مصدر قوة في زمن الحاكم القوي إلى مصدر ضعف في زمن الفوضى وزمن القيادة الضعيفة .لذلك من أولويات النجاح لحكم العراق هو في شخص الحاكم الذي يستطيع أن يوازن بين مكونات الشعب بالحق والعدل ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات وذلك يعتمد على تشريع قوانين منصفة وعادلة تصب في خدمة المواطن وتحاول أن تردم الهوة بين المكونات وتبعث برسائل تزيد من قوة الأواصر والثقة المتبالدلة بين مختلف المكونات وهذا طبعا لا يتحقق إلا بوجود عدالة ومساواة وفسحة من الحرية في ممارسة الطقوس والتعبير عن الرأي وحماية حقوق الأقليات وفرض هيبة القانون والسيطرة على السلاح المنفلت وتطبيق القانون على الجميع واقتصاد قوي ومجتمع يتمتع بنوع من الرفاهية غالبيته العظمى من الطبقة الوسطى مجتمع خال من الفقر والأمية والجهل والمرض مجتمع فيه الحكومة قوية تتلاشى معها سطوة القبيلة أو الخارجين عن القانون ويكون السلاح محصورا بيد الدولة مع منظومة قضائية رصينة تطبق القانون على الجميع ولا يأخذها في الحق لومة لائم .
بوجود منظومة أمنية قادرة على حماية الأمن القومي وتستطيع توفير الأمن للجميع قادرة على رد أي عدوان خارجي وقادرة على وأد المؤامرات وهي في مهدها داخل وخارج الوطن وحكومة تفرض شخصيتها على الجميع وتأخذ دورها الإقليمي والعربي والعالمي ترقض أي املاءات أو تدخلات خارجية لها حضور دبلوماسي في شتى المحافل تعمل على وحدة العراق ترفع شعار العراق للعراقيين تمنع التدخل الخارجي ولاتكن تابعا لهذا المحور أو ذاك تقف موقف الحياد وتنأى بالعراق عن سياسة المحاور وتقف من الجميع لمسافة واحدة .
الموضوع ليس سهلا والطريق ليس معبدا بالورد بل ما أطرحه مشروعا لبناء دولة ممزقة تتحكم فيها قوى دولية وإقليمية وهناك جهات منتفعة من استمرار الفوضى فالامبراطوريات المالية وعصابات الجريمة المنظمة لن تسمح للعراق بأن ينهض من جديد فهذا يضع نهاية لسطوتها وابتلاعها الدولة لذلك قبل هذا وذاك لابد لمن يريد أن يتصدى لهذه المسؤولية أن يضع روحه على راحته لأنه سيواجه حربا ضروسا على جميع الجبهات داخلية وخارجية فدول الجوار مشتركة جميعا ومتآمرة في استمرار الفوضى والخراب من أجل مصالحها ومخابراتها تعمل ليل نهار من أجل صنع الأزمات حتى نظل ندور في حلقة مفرغة نبحث فيها عن حلول لأزمات تكبل العراق نحو الانعتاق وهذا بحاجة إلى العمل الجاد من أجل غرس روح الولاء الوطنية لدى الجميع ومحاربة شتى أنواع الفساد بل واقتلاعه من جذوره بسن تشريعات تبعث الرعب فيمن تسول له نفسه خرق القانون أو تخريب البلد أو التآمر عليه أو زعزعة أمنه أو تبذير أو سرقة مقدراته ولابد من وضع خطط اقتصادية تنموية في شتى المجالات تحول المجتمع من مجتمع مستورد إلى مجتمع مصدر تنتشر فيه المصانع والمعامل والمزارع تنتشر فيه مشاريع استراتيجية في جميع المحافظات تنهي ملف الطاقة والبطالة وأزمة الصحة والتربية والسكن وتوفر الحياة الحرة الكريمة لجميع المواطنين المتساوون في الحقوق والواجبات والقضاء على الولاءات الخارجية بكل أشكالها والاعتداد باستقال القرار السياسي وتوحيد الخطاب الإعلامي وردم الهوة ما بين مكوناته والعمل على زج الوطنيين الشرفاء ليتسنموا المناصب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيدا عن الانتماءات القومية والمذهبية والطائفية والحزبية والعمل الجاد على استعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة سراق الشعب وتطبيق قانون من أين لك هذا والعمل على تطوير الصناعات النفطية والسيطرة عليها وإغلاق المصارف الأهلية وإلغاء المدارس والجامعات الأهلية والاهتمام بمراكز البحوث ودعم المواهب والقدرات والعمل على توفير سكن ملائم لكل مواطن والارتقاء بالبنى التحتية وتشجيع الاستثمار بشرط أن يكون الحزء الأكبر من اليد العاملة من أبناء البلد للقضاء على البطالة من جهة واكتساب الخبرة من جهة أخرى والعمل على عقد اتفاقيات لبناء مشاريع كبرى مع كبريات الدول والشركات للمنافسة في سوق العمل وتشريع قوانين حماية المنتج.
كل هذه الأماني تكن في مهب الريح إلا اذا تم وضع خطط حقيقية لتنويع مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أوحد الدخل القومي ووضع خطط مستقبلية للنهوض بواقع البلد حيث أن لا نجاح لأية حكومة إلا بنجاح اقتصادها ومادامت الدولة تحت وطأة الديون ومستمرة في الاستيراد مع عدم التخطيط الخروج من مرحلة الاستيراد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتحول إلى مرحلة التصدير فستظل الحكومة فاقدة للأهلية لتحقيق أهدافها وحماية مواطنيها .
نهاية الجزء الثاني

*كاتب ومحلل اسياسي