الخميس - 28 مارس 2024

الشيعة ودنس التطبيع مع (إسرائيل)/ 1

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


د. علي المؤمن ||

ظلت وسائل الدعاية العربية الطائفية، التي تمتلك معظمها السلطات الداعمة للإرهاب الفكري والمسلح، تعمل منذ عدة عقود على خلق معادلة غريبة، طرفاها الشيعة واليهود، أو التشيع والصهيونية؛ بإعتبارهما العدوين اللدودين للأمة العربية!. وقد تركز الحديث عن هذه المعادلة وتبلورت صناعتها ونسجت حولها الحكايات والأساطير بعد العام 1979، أي بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في ايران. ومن مخرجات هذه المعادلة وجود تحالف سري تاريخي بين الشيعة واليهود ضد المسلمين السنة، وتحالف سري معاصر بين الإيرانيين الشيعة والإسرائيليين الصهاينة ضد العرب.
وتمكنت هذه الحملات الدعائية المركزة والمنظمة، من خلق ظاهرة نفسية ضاغطة على المستويين الإجتماعي والسياسي؛ عنوانها: “شيعة فوبيا” أو ” رهاب الشيعة “، وهو وجه آخر لظاهرة ” ايران فوبيا “. وعلى الرغم من أن جذور هذه الظاهرة النفسية الإجتماعية تعود الى عهد الدولة العثمانية؛ إلا أنها تطورت بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وتبلورت كنظرية شبه متكاملة على يد منظري حزب البعث. ثم تحولت بالتدريج الى الصناعة السياسية والإعلامية الأكثر أهمية لنظام آل سعود؛ حتى أخذ القصف الإعلامي والمالي السعودي الهائل ينجح بالتدريج في تحويل الأنظار عن اسرائيل والصهاينة صوب ايران والشيعة؛ بل وإقناع كثير من الأنظمة العربية والمسلمة، ومعها أساطيل من المثقفين العرب القوميين والإسلاميين ووسائل إعلامهم ومراكزهم البحثية لتبني منهجية كون العدو الحقيقي للعرب هما: ايران والشيعة، ولابد للعرب من التحالف مع (اسرائيل) لضرب عدوهما المشترك.
ورغم أن هذا المزاعم هي نتاج منهجيات دعائية تستخف بالعقل العربي، أفرزتها أفكار نظام البعث العراقي والنظام السعودي في ثمانينات القرن الماضي، ولا تزال وسائل الإعلام العربية تلوكها وتعتاش عليها وتطورها وتضيف عليها؛ لكنها بقيت تؤثر في توجيه العقل العربي. ولهذا فنحن بحاجة الى مقاربة هذا المختلقات بمنهجية واقعية و بتجرد عن الإنتماء المذهبي.
إن من الخطأ المنهجي والواقعي والديني والإنساني أن نضع أي شعب مسلم أو طائفة مسلمة في خانة التحالف مع الصهاينة أو اليهود، أو خانة المتآمرين على المسلمين، ومثال ذلك مايتداوله الخطاب الديني الوهابي من إتهام للشيعة، والخطاب القومي العربي من إتهام للإيرانيين. ولعل حل هذه المفارقة يكمن في المعادلة الطائفية التي قلبت النظرة الى الفرس؛ فيوم كان الفرس يحكمون البلاط العباسي ويؤسسون المذاهب السنية ويؤلفون كتب الحديث والصحاح السنية؛ فإنهم كانوا بمثابة أساتذة للعرب وأئمتهم وأشقائهم، ولكن عندما تحوّل الفرس الى التشيع؛ فإن الدعاية الطائفية أصبحت تعد الفرس حلفاء لليهود. وهنا يكمن السر؛ فالموضوع ـــ إذاً ـــ ليس موضوع الفرس والإيرانيين؛ وإنما هو موضوع الشيعة؛ فالمستهدَف ليس الإيراني أو الفارسي بصفته القومية، بل المستهدف هو الشيعي قبل كل معيار آخر.
ولنحوِّل المعادلة باتجاه تركيا التي يعدّها الإسلاميون العرب أنموذجاً يحتذى به في عملية أسلمة الدولة والحكومة، ويعدّها القوميون العرب نصيرتهم في قضاياهم؛ في وقت تحتفظ تركيا بتحالفات استراتيجية معلنة مع الصهاينة واسرائيل واليهود في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية والثقافية والسياحية، وإن مؤسس جمهوريتها الذي ينحني أمامه الساسة الأتراك الحاليين؛ هو يهودي ( كمال أتاتورك من يهود الدونمة). ولكن لم نسمع يوماً من الإعلام العربي والحكومات العربية أي إتهام لتركيا وحكومتها بالتحالف مع إسرائيل، ولا أحد يعترض على رئيس جمهورية تركيا ورئيس وزرائها وهم يعانقون بحرارة بالغة المسؤولين الإسرائيليين. لماذا ؟! لأن تركيا دولة سنية وحكومتها حكومة سنية. ولكن؛ ماذا لو تحّولت تركيا يوماً ما الى دولة شيعية معادية لإسرائيل والصهيونية ؟ حينها سيقوم المخيال الطائفي العربي بتحويل الأتراك تلقائيا الى أعداء للعرب والى حلفاء لليهود والصهاينة؛ وإن أصبحوا أشد المعادين لهم.