الجمعة - 29 مارس 2024

إبن الإصول شريفاً حتى في عداوته

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


مالك العظماوي ||

كنت أعمل على مدى أربع سنوات مع رئيس قسم تربطني وإياه علاقة متشنجة ومواقف لا تخلو من الانفعالات والعصبية لدرجة إنها وصلت إلى تدخل عائلتينا، ولكوني أنتمي إلى إسرة تتزعم قبيلتنا، استطعت أن أرغمه على الاذعان والاعتراف بخطئه والاعتذار من إسرتي وقبيلتي. لكن علاقتنا استمرت بالتوتر والقطيعة لحين إنتقالي إلى دائرة أخرى كتدريسي للغة الإنجليزية.
وكنت متخصصا بإدخال المهندسين الذين يرومون الحصول على الترقية بدورات مكثفة في اللغة الإنجليزية. وذات يوم، وبعد مرور عشرة سنوات من التحاقي بعملي كتدريسي، جاءتني مجموعة من المهندسين والمهندسات من وزارة النفط وعددهم تقريبا (٢٢) متدرب، وكانت المفاجأة أن من بين هؤلاء المهندسين المتدربين، إبنة رئيس القسم الذي كنت أعمل معه والذي كانت بيننا مواقف عدائية وتباغض لحين انتقالي من القسم. وكانت هذه المهندسة بارعة في اللغة الإنجليزية ومثابرة على الحضور، ومهتمة جداً بمنهاج دورتنا، وكان ينافسها بذات المستوى أحد المتدربين الذي كان حاصلاً على الماجستير في الهندسة من أمريكا، ولعله يقرأ كلماتي هذه الآن كونه أصبح من أصدقائي، وكان بارعاً جداً في التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة لأنه عاش مدة الدراسة بأمريكا فآكتسب مهارة عالية في اللغة. وحيث أن اللغة لا تعني التحدث فقط، وإنما هناك مهارات أخرى تتعلق بالقواعد والتعبير والإلتزام بمنهاج الدورة وغيرها. فقد كانا متنافسين ومتقاربين جدا بالمستوى العلمي وبالمثابرة في الحضور. وفي آخر يوم من الدورة التدريبية إذ عادة يكون الإختبار النهائي، وبعد نهاية الإختبار، فتحت أجوبتهما، وكانت أمنيتي أن يتفوق حامل الماجستير، وكنت متذكرا لِما كان بيني وبين أبيها وما فعله معي، فقد كنت لا أرغب بتفوقها. ووقفت مليا وأنا في حيرة من أمري وأدقق في الإجابتين لعلي أجد تفوقاً لصاحب شهادة الماجستير أو رجحاناً لأجوبته، لكني وجدت فرقاً يسيراً بأجوبتها ورجحان كفة تفوقها من حيث بعض الفروقات البسيطة جداً التي تكاد أن لا تُعد رجحاناً. إلا أنه لابد للإنسان أن يتصرف بأصله وتربيته، وهنا لابد لي من أن أترك علاقاتي جانباً وأن أقرر قراراً يعكس تربيتي وأصالتي وتأريخ عائلتي، لذا فقد أعطيتها نتيجة التفوق – وإن كان يسيراً – أو كاد أن يكون غير واضح، إلا إنني عملت بمهنيتي وتم لها النجاح وتفوقها على صاحب الماجستير.
وهذا الموقف يذكرني بأحد الأساتذة الجامعيين، الذي حارب طالباً لديه على مدى دراسته في الجامعة، ولا غرابة فقد عمل بإصوله وتربيته، فبعد البحث وجدنا هذا الأستاذ قد عاش يتيماً وهو يعاني من عقدتي النقص الحقارة، حتى وهو حاصل على درجة البروف بإختصاصه، لكن عقده وتربيته وأصوله لعبت دوراً في قراراته التي راح ضحيتها ذلك الطالب المسكين، بسبب عدم تغلب الأستاذ على أنانيته وشعوره بالنقص.