الجمعة - 29 مارس 2024

خطر إستغلال الجماعات الإرهابية للتكنولوجيا الحديثة

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


محمد كريم الخاقاني *||

تعد شبكة الإنترنت وما تقدمه من خدمات في سبيل تقدم البشرية من اخطر التقنيات التي تلجأ اليها الجماعات الإرهابية التي استغلت الفضاء الإلكتروني ونقلت المعركة الى البيئة الإفتراضية، فهذه الجماعات المتشددة تنبهت لخطورة تدفق المعلومات وسرعة إنتشارها وتأثيراتها على تشكيل جمهور مؤيد وداعم لها إعتماداً على إنتشار الوسائل التقنية الحديثة وسهولة إقتنائها وتعدد وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، وعليه فقد اولت تلك التقنية إهتماماً متزايداً في محاولة منها لكسب تعاطف الجمهور المؤيد لتوجهاتها وجذب اكبر عدد منهم لصفوفها ومن ثم تنفيذ عملياتها الإرهابية.
ولجأت الجماعات الإرهابية الى توظيف وسائل التواصل الإجتماعي وبمختلف برامجه مثل تويتر والفيس بوك وغيرها من أجل ترويج الأفكار السلبية التحريضية التي تؤمن بها وبثها للجمهور المتطرف الذي يؤمن بتلك الطروحات، فقد ساعد إمتلاك وسائل التقنية الحديثة من قبل تلك الجماعات المتطرفة على إختراق البيئة الإفتراضية وبشكل كبير جداً، وقد إزدادت المواقع الإلكترونية التي تديرها الجماعات الإرهابية بنسبة كبيرة تجاوزت حسب الإحصائيات الى اكثر من خمسون الف موقع إلكتروني، وهذا بحد ذاته عامل مهدد لأمن وسيادة الدول، فأصبح بمقدور تلك الجماعات ان تخطط وتشن هجمات وتنفيذها على أرض الواقع إنطلاقاً من تلك الفسحة الإفتراضية والتي اتاحت لها هامش العمل من مواقع إلكترونية مما يؤثر على أمن الدول ووضعها تحت التهديد المباشر، فضلاً عن تقليص الجهود من أجل توفير الدعم المالي لتنفيذ عملياتها في مختلف دول العالم، ومن ثم القيام بتنفيذ هجماتها بكلفة اقل إعتماداً على التداول الإلكتروني.
لقد اتاح إستخدام الفضاء الإلكتروني للجماعات الإرهابية ان تقوم بعملية تسويق لأفكارها المتشددة ونشرها بين صفوف مريديها في المجتمعات، ووسيلة تلجأ اليها لكسب تعاطف الجمهور المؤيد لها، وجني المزيد من الاموال كونها تعد من موارد الدعم الاساسي لتنفيذ عملياتها. وتقوم الجماعات الإرهابية ببث رسائلها الإلكترونية لجمهورها وتعمل على ترويج افكارها ونشرها داخل الدول في محاولة منها لتعميق الإنشقاقات المجتمعية بين أفرادها بين مؤيد وداعم لها، وآخر رافض لمعتقداتها وافكارها.
ومن ثم اصبح اللجوء الى إستخدام الفضاء الإلكتروني وسيلة من وسائل الإنتشار التي تلجأ اليها تلك الجماعات، والتي تستثمرها في كسب تعاطف الجمهور الذي يؤمن بنهجها، فتلجأ تلك الجماعات مثلاً الى الترويج على أعمال العنف، كقيامها بتصوير عملياتها وشرح مفصل لكيفية التدريب على صنع المواد المتفجرة وكيفية تنفيذ عملياتها، وذلك من أجل إستغلال الفسحة التي منحتها لها التكنولوجيا المتطورة من أجل بث الرعب في المجتمعات التي تخالف نهجها وافكارها.
وعادة ما تلجأ تلك الجماعات الى إستخدام طرق واساليب في الترويج لأفكارها المتشددة عبر إستغلال الانترنت، ومن اهم تلك الطرق هي الدعاية لما يؤمنوا به من معتقدات وافكار، وتتخذ شكل إتصالات لوسائط متعددة كأن تكون الإيمان بالتعاليم الإيديولوجية، وبث مقاطع تصويرية لعملياتهم الإرهابية، والعمل على تسويق المبررات للقيام بمثل تلك العمليات، فضلاً عن نشرها في وسائل الإعلام التابعة لهم كالمجلات والمواقع الإلكترونية التابعة لهم والترويج للخطاب المتطرف على جمهورهم المؤيد لطروحاتهم.
وكذلك تلجأ الجماعات الإرهابية الى إستخدام الإنترنت للحصول على التمويل اللازم لدعم وإستمرارية تنفيذ الهجمات التي يقوموا بها، وتتعدد الطرق والوسائل لتقديم الدعم للتمويل، ومنها الطلب المباشر كما في حالات مجموعات التواصل الاجتماعي والدردشة او عن طريق البريد الإلكتروني.
وكذلك يتم التمويل من خلال إستغلال الصفة الشخصية ومحاولات الإبتزاز من اجل تقديم الدعم لنشاطهم وعملياتهم، او عبر المنظمات الخيرية التي تحمل صفة ظاهرية من اجل تقديم المساعدات ولكنها في الاصل تُستغل من اجل تحقيق الأهداف الإرهابية لتلك الجماعات، ويمكن القول بإن إستغلال الحرية الإلكترونية من قبل الجماعات الإرهابية لتنفيذ هجماتهم تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.
وعليه لابد من تكاتف من جميع الدول في سبيل الحد من تأثيرات تلك الحرية المتاحة على إستغلالها من قبلهم، ويتم ذلك عبر تعاون الجميع من أجل التصدي لتلك الظاهرة، والعمل على تشريع القوانين التي تعمل على تقييد حركة تلك الجماعات الإرهابية ، والعمل على زيادة الوعي المعرفي داخل المجتمعات التي يتزايد فيها نشاطها وعبر نشر ثقافة التصدي لكل ما من شأنه زيادة الإنقسام داخل المجتمعات ونبذ ثقافة العنف والإرهاب وتعزيز قيم المواطنة ونشر السلام وثقافة التسامح وقبول الآخر.

*اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.