الجمعة - 29 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


محمد كاظم خضير ||

يُنكر ذوو الإحساس العالي بالكرامة على عامة الناس أن ترتضي عيشاً في وحل القهر والذل حتى لو كان عيشاً مستقراً وهانئاً، في حين يتعجب نفر من عامة الناس كيف يمكن للفئة الأولى أن تعيش حياتها ملاحقة ومستهدفة ومهددة في حياتها وحتى سمعتها، ذلك أن الذين لا يرون الكرامة أولوية لديهم يفترضون أن الجميع مثلهم، ولهذا يشكل عليهم فهم دوافع شجاعة بعض الناس وإقدامهم، وتضحيتهم بالحياة الآمنة الهانئة مقابل الانتصار لمبادئهم التي يؤمنون بها، والدفاع عن جملة القضايا التي يحملونها، ولهذا أيضاً ومن هذا الباب يدخل عامل تشويه السمعة الذي تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية ، ضد الحشد الشعبي ، فحين يرى البسطاء، في فهمهم أو همّتهم، قوة مثل الحشد ذات شجاعة نادرة وعصيّة على التفسير أو الاستيعاب يبدؤون بالتساؤل بشأن ما يُطلق حولها من شائعات، ضدهم .
تحدّثنا وكتبنا كثيراً منذ قصف القائم الاخير وحتى اليوم، عن الجريمة القصف ودوافعها ومغزاها، وعن الحشد الشعبي في القائم وما يمثّله، وعن أثره القصف على الحشد الشعبي في مدينة القائم وبعد القصف ، لكننا اليوم نعيش تداعيات شاقة، لا تقل صعوبة عن وقع الجريمة ذاتها، وسط طوفان التزييف والتشويه ضد الحشد الشعبي ، ومن التسقيط المعنوي والجسدي لكل فصائل المقاومة التي باتت هدفاً للتصفية أو التحييد، والتي يُراد اليوم إسكاتها، بقوة القصف ، وبالتهديدات المختلفة من وراء الكواليس.
إذن، نحن اليوم نعيش مرحلة مفصلية، لا يكفي فيها أن نقرّر أن (ما بعد حدث القصف لن يكون كما قبله)، ولا أن نطلق النصائح والتوجيهات من بعيد، و أن نقول للحشد الشعبي : افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك، ولا أن نطرح تصورات حالمة وخيالية وغير قابلة للتطبيق، ولا أن نساهم في تيئيس الفاعلين بالتقليل من أثر رد قصف الأمريكي.
المطلوب اليوم أولاً أن نزرع الوعي بضرورات عدم السماح بتمرير الجريمة قصف القائم ، وأن نستنهض الهمم الخاملة لكي تقول كفى نزيف لدم العراقي لا، أن يفهم المجموع أن عليه التحرك ليس فقط استنكاراً لما حدث، بل أيضاً لأن التحرك ضامن لكي لا نعيش فصول جريمة القصف من جديدة، لكي لا يسيل دم أكثر، لكي لا يصبح قصف الحشد الشعبي في القائم منهجاً مألوفا، كما سبق وجرى مع الاعتقالات السياسية ومحاربة الحشد الشعبي .
ويمكنني الآن أن أسرد عشرات القصف الذي حدث على فصائل المقاومة منذ 201‪4الي الان ، والتي كان يمكن أن يمنع تكرارَها وجودُ حاجز ممانعة سياسي لها، لو كان صلباً ومستمراً وجدياً بما يكفي، ولكن ثمة قلة ظلّت وحدها تتحمل أعباء الرفض ومجابهة الظلم، وقلة أخرى كانت تتحرك حين تُمسّ هي، وأكثرية كانت تكتفي بالمشاهدة، والرضوخ للتهديد ولإملاءات المرارة والتركيع، مكتفية بانتظار الفرج، أو لامبالية بحصوله ما دامت نار الظلم لا تطال بيتها.
اليوم تريد أمريكا بأدوات ترهيبها وتهديدها وتزييفها للحقائق أن تقتل كرامتنا الحشدواية وأن تجعل الجيل الجديد يكبر وفي ذهنه صورة الذل ولانهزام التي تصادم أطراف شعبها بدل أن تدوس رقاب عدوّها.
ونحن اليوم جميعاً من سنقرر: هل نريد لأبنائنا مستقبلاً مشبعاً بالكرامة وبالإحساس بقيمة الحرية، أم مجرّد حياة كيفما اتفق؟ ولكن علينا أن نتذكر دائماً أن هذا الجيل الحشدواي هو الذي سيحمل راية مواجهة الاحتلال وسياساته المتغولة على حقوقنا، ولا يمكن للأكف المرتعشة، الزاهدة بكرامتها، أن تحمل راية بثبات أو تجابه عدواً بإقدام.
اللهم احفظ حشدناو بلادنا من كل شر
كاتب ومحلل سياسي