الجمعة - 29 مارس 2024
منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


جمعة العطواني ||

بسم الله الرحمن الرحيم
دعني ابتداءا اثبت حقيقة عقائدية اؤمن بها، كما يؤمن بها اغلب اتباع اهل البيت من شيعة أميرِ المؤمنين ( عليه السلام)، وهي؛ ان مراجعنا هم هداتنا ، اقوالهم وفتاواهم حجة مع تعدد المقلدين كما منصوص على ذلك في المباني الفقهية، كما ان للمراجع قداسة واحترام ، كونهم ( أمناء الانبياء) .
الحقيقة الثانية ؛ اننا يجب ان نفرق بين المرجع وأبنائه، فضلا عن احفاده، فلا( استصحاب) في القداسة بين المرجع وأبنائه وأحفاده ، وهذه الحقيقة تعلمناها من سيرة ائمة الهدى عليهم السلام، وسيرة الانبياء ( على نبينا وعليهم الصلاة والسلام).
من هنا اتحدث معك ( مجردا) من اي انتساب للمرجع السيد الخوئي( قدس).
كما اني سأتحدث معك بوصفي عراقي ، واخرى بوصفي مسلم – شيعي.
اما الاول ؛ فانت لا يحق لك الحديث عن وطني العراق، لانك مواطن بريطاني من أصول ايرانية، ولا تمت للعراق بصلة من قريب او بعيد، فما انت والعراق والعراقيين حتى تتحدث عنهم؟
بلدي جريح مُذ كُنتَ طفلا تلهو وتلعب في بلد الضباب( لندن) كما عشت شبابك منَّعم مُترَفٌ، بل قبل ذلك بقرون ، في الوقت الذي عاش ابناء بلدي شظف العش، وذل الحصار، والحرمان، وطغيان البعث ومرتزقهتم، إذ تحولت ( طوامير البعث) الى مساكن لعوائل الشيعة وأطفالهم ، ينام الاطفال على انين امهاتهم في سجون البعث المقبور، وَمَنْ هم خارج السجن ياكلون طعام لا يصلح للحيوانات ، مشردين لا تؤيهم بيوت ، ولا يحن عليهم صديق .
لا استغرب من قولك( اننا ننظر الى الولايات المتحدة كدولة عظمى ، كدولة متحضرة ، ومتقدمة، لقد فعلت الكثير لمساعدة العراق، ويمكنها ان تفعل الكثير ، نحن بحاجة الى الدعم على جميع المستويات الثقافية والعسكرية والاقتصادية..)
لا استغرب من كلامك، كونك مواطن بريطاني يدافع عن امريكا ويمتدحها، ومن هنا دعني انتقل بحديثي معك من وصفي مواطن عراقي الى مواطن مسلم شيعي فأقول لك:
من حقك ان تتغنى بامريكا موطنك او ببريطانيا بلدك، لكن ليس من حقك ان تقول انها فعلت الكثير للعراق، فدعني اذكرك بسنوات التسعينات التي كنت فيها طفلا صغيرا تلعب وتلهو في دلال، وقد رأيتك بعيني( بعيد) الانتفاضة الشعبانية .
في هذه الأعوام ايها السيد الامريكي قام الامريكان بالتعاون مع زمرة البعث وأمراء ال سعود، بإبادة شعبي العراق، وبخاصةٍ ابناء مذهبي في الوسط والجنوب، ليس لانهم عراقيون ، بل لانهم اتباع مدرسة اهل البيت، فهم يحملون شعار( لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر لكم اقرار العبيد)، حتى قال الملك الهالك فهد بن عبد العزيز للرئيس بوش الاب اوقفوا الحرب.
هذه المدرسة تعلم منها رجال مقاومة الظلمِ والطغيان والاستكبار، ولو كلفهم حياتهم ، فتكالبت على شيعة بلدي امريكا وادواتهم مع زمر البعث، ورفعوا شعار( لا شيعة بعد اليوم)، وهو نفس شعار طغاة بني أمية يوم عاشوراء ( لا تبقوا لاهل هذا البيت باقية).
نعم امريكا دعمت المجرم صدام وقام بقمع وابادة ابناء الجنوب ، وانت وابن عمك( حيدر ) تتنعمان ببرودة ضباب( لندن) ، وتلتقون مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الذي قتل شيعة بلدي امام أنظاركم، وانتم تتابعون اخبار الجرائم في الانتفاضة الشعبانية .
دعني اعطيك حقيقة على انتمائك وابن عمك حيدرالخوئي (البريطاني) ، فقد تلقيت دعوة من احد مراكز الدراسات التابع لوزارة الخارجية الإيرانية ، وقد وجدت عددا من الاخوة الضيوف ، منهم السيد سامي العسكري والسيد علي الدباغ وكان ( حيدر مجيد الخوئي) احدهم.
نحن لا نتكلم الفارسية والإيرانيون لا يتكلمون العربية فكان المترجم يترجم لنا ولهم( من العربية الى الفارسية، والعكس كذلك) ، وعندما وصل الحديث لحيدر الخوئي رفض الحديث باللغة العربية او الفارسية رغم انه يجيدهما، وقال بالنص( انا مواطن بريطاني) لا اتحدث الا بلغة وطني، وفعلا تحدث بلغة وطنه وهذا حقه من جهة، ويؤكد على عدم عراقيته من جهة اخرى.
فنحن نحترم انتماءكم لبلدكم لكن لا يحق لكم التحدث بالنيابة عن بلدنا ، لهذا دع عنك العراق وشعبه وعذاباته، ومعاناته ، فانتم غير معنيين بذلك، وإلّا فان مدحكم لامريكا وبريطانيا، رغم ما فعلوه من جرائم يعني إنكم شركاء في ذلك ، فقد قال الرسول الاعظم صلى الله عليه واله ( من أحب قوما حشر معهم، ومن احب عمل قوم أشرك في عملهم.
نعم اتحدث معك بوصفك مسلم امريكي ، تحمل جنسية بريطانية ، وانت تطالب بالدعم الثقافي والعسكري من بلدك الى بلدي العراق.
منذ سنوات ما بعد سقوط البعث وأمريكا تصدر لنا ثقافة لا يرتضيها ناموس الانسانيةِ ، ويمجها حتى ابناء بلدك او بعضهم ، لانها خلاف الفطرة الانسانية، فامريكا وبريطانيا صدروا لنا ثقافة( المثلية الجنسية )، الى درجة ان سفير بريطانيا ( يغرد) شاكرا الحكومة العراقية، لانها لم تمنع المثليين الجنسيين من ممارسة( حقهم) و( حرياتهم الشخصية).، وممثلية الاتحاد الاوروبي ترفع على المثليين في بلد الحسين وعلي عليهما السلام .
هذه الثقافة الامريكيةُ التي تطالبها بدعم بلدي، امريكا التي تشن حربا وجودية ضد ديني وتشوه مرجعيتي، وتستخف بثوابت مذهبي من خلال مراكز الدراسات التي أنشأتها منذ سقوط نظام البعث مستفيدة من بعض أدواتها من العلمانيين واللا دينيين في العراق.
هذه ثقافة امريكا التي تريد نشرها في بلدي.
اما دعمها العسكري الذي تتغنى به، فقد قتلت امريكا خيرة قادتنا في العراق ومحور المقاومة، وانتهكت سيادتنا، واغتالت ضيفنا ، فقادتنا كانوا يقاتلون الطاغوت البعثي وكنتَ لا زلت في بيضة( غير مخصبة)، ولبّوا نداء مراجعنا في الانتفاضة الشعبانية المباركة، ولازالوا يدافعون عن الاسلام وثوابته ، والمذهب وعقيدته ، ضمن الموازين الشرعية والفقهية التي استنبطها مراجعنا ، حتى عَرَجَتْ ارواحُهم لتعانقَ ارواح المعصومين عليهم السلام.
ان عدوان بلدك على بلدي قد (آلم) قلب المرجع الاعلى السيد السيستاني ( دام ظله)، فهو يقول مخاطبا الولي الفقيه الامام الخامنئي( دام ظله) قائلا( آلمنا كثيرا خبر شهادة اللواء العظيم قاسم سليماني رحمة الله عليه.. ان الدور الفريد للمرحوم في سنوات الحرب على عناصر داعش في العراق والأتعاب الكبيرة التي تحملها في هذا المجال لا يمكن ان تنسى).
بل واكد في بيان استشهاد قادة النصر بقوله( الاعتداء الغاشم بالقرب من المطار الدولي يمثل خرقا للسيادة ، وانتهاكا للمواثيق الدولية ، أدى الى استشهاد عدد من ابطال معارك الانتصار).
نعم هذا الدعم العسكري الذي تطالب به لبلدي قد( آلم قلب مرجعنا ) فعن اي دعم تتحدث ؟
والعجب كل العجب من قولك( انك لا ترى الصراعات الحالية في المنطقة دينية بقدر ما هي صراعات سياسية)، ثم تردف بقولك( ان الشرق الأوسط عالق الان في حرب جديدة بين العثمانيين والصفويين)!
هذا القول يمثل قمة السطحية والسذاجة من مواطن بريطاني ، وهو يسمع رؤساء وزراء بلده والأدارات الامريكية منذ عام ١٩٩٠ الى يومنا هذا تتحدث عن حروب صليبية ضد المسلمين .
نعم اقول لك انك تعيش حالة ازدواجية في شخصيتك وتفكيرك قد ترتقي الى نفاق( ديني- سياسي)، بين (انتمائك) للاسلام ، وبين انتمائك لبلاد الغرب ، فحتى تتخلص من هذه العقدة وعذاب الازدواجية أرحت نفسك بهذا التفسير الساذج.
اننا نعيش في صراع وجود مع العدو المجرم ، وقد ميز هذا الصراع بين محور الايمان ومحور الكفر، بين المحور الذي وصف المرجع السيستاني ضحاياه بأنهم شهداء، وان شهادتهم ألمت قلبه، وبين محور الكفر الذي قال عنه المرجع السيستاني ( انهم انتهكوا المواثيق الدولية)، فكل مراجعنا ( باستثناء بعض الأحفاد من مواطني محور الاجرام) يقرون ان محور الجمهوريةِ الاسلامية هو محور الايمان ، وهم ممن محض الايمان محضاً ، في مقابل محور الاستكبارِ الذي محض الكفر محضاً .
كما اننا نعيش في حالة تمحيص وغربلة ، وهذا التمحيص والغربلة هو الذي اخرج ( ابن نوح) من محور الايمان ، واوى الى جبل بحجم ( امريكا )، لكنه لم يعصمه من الغرق والانحدار ، ولم يشفع له نسبه ، وهذا التمحيص والغربلة هو الذي اخرج ابا لهب من دائرة والايمان والهداية المحمدية، رغم قربه النسبي من الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله) ، وهو الذي رفع سلمان الفارسي الى دائرة الهداية وأصبح ( سلمان منّا اهل البيت) .
وبعد كل ذلك فلا اعجب من قولك: ان مشكلتك مع ايران عندما ( يزعمون انهم يمثلون جميع الشيعة )،وانهم( مجرد قراءة واحدة للمذهب الشيعي )!
فلقد جئت شيئا( إدّا) ، فمن انت حتى تضع نفسك في قبالة ايران ، بكل ما تعنية من حوزة ومراجع، وفقهاء علماء ودولة اسلامية تمثل حلم الانبياء ؟
اما قولك : ان ايران يزعمون إنهم يمثلون جميع الشيعة، فقد وصل بك الكذب والبهتان الى حد الافتراء هذا، وانت تتشرف بوضع تاج رسولنا الاعظم على راسك.
فمتى ادعت ايران انها تمثل جميع الشيعة ؟ ومتى تحدثت ايران بلغة طائفية او مذهبية حتى تتحدث باسم الشيعة او حتى بعضهم ؟
ايران نذرت نفسها لكل المستضعفينَ ، وليس للمسلمين وحدهم، وهي لا زالت تدفع ضريبة هذا الدعم حصارا منذ ان بزغت ثورة الامام العظيم ، وحيد عصره ، الامام روح الله الخميني ( قدس)، الذي غير وجه التاريخ المعاصر ، وغير توازن القوى في المنطقة، واعطى قيمة جديدة للاسلام المحمدي الأصيل ، في وقت كان بلدك( الغرب) يريدنا نتعبد بإسلام على مقاساتهم ، يتماشى مع عبودية وتبعية الغرب.
اما قولك ( ان ايران تمثل قراءة واحدة للمذهب الشيعي ) ، فأقول لك؛ نعم نظرية ولاية الفقيه تمثل قراءة واحدة للمذهب الشيعي، لكن هذه القراءة الواحدة ، هي القراءة الوحيدة التي بعثت فينا الكرامة والعزة والكبرياء.
ياسيدي كنا نُستَعبد من قبل أنظمة الجور والضلال قبل ثورة الامام الخميني، وقبل ولاية الفقيه، كنا نساق الى الموت كما تساق الاضاحي ، كان الجلادون لا يكتفون بقتلنا، بل يأخذون ثمن الطلقة التي تقتلنا، قبل هذه القراءة كنا نعيش في (شِعَب ابي طالب) لعقود وعقود من الزمانِ ، وكنا لا نجرؤ ان نقول ( أُفٍّ) للظالمين تحت ذريعة ( التقية).
وكان نور التشيع لم يصل الى بعض اطراف أريافنا، فضلا عن وصوله الى العالم ، بل ويُدَرَّس فقه علي عليه السلام على خوف ووجل في مدارس متعبة منهكة، وحيطانها ( لها اذان) من شدة الخوف .
كانت الإقامات الجبرية مفروضة على مراجعنا ، وكانت( اشهد ان عليا ولي الله ) تهمة يحاسب عليها القانون ، وكان علينا ان نكون عبيدا، بل ويجب ان نحسن العبودية .
حتى بزغ فجر الولاية او القراءة التي سميتها ، وصدح بها نائب الامام المهدي ( عج) بالحق روح الله الخميني ، فنفض غبار الذل والعبودية ، ونفض غبار السنين عن فقه وعقيدة المذهب ، وأعاد العزة للمسلمين .
وها هي القراءة احدى القراءات تمثل مشكلة كبرى للمستكبرين ، وها هم (الاحزاب) يجتمعون على هذه القراءة الوحيدة، كما اجتمعوا في عهد رسول الله صلى الله عليه واله.
ها هو التشيع يصل الى نيجريا وافريفيا ، وها هي القراءة تتحول الى محور يمثل الايمان كله مقابل بلدك( الغرب) الذي يمثل الكفر كله.
وعليك ان تتخيل لو ان الله تعالى منَّ علينا غدا بظهور صاحب الامر (عج)فاي محور يقود، وضد اي محور يقاتل ؟ مع محور الاستكبارِ ام محور القراءة الواحدة؟
والسلام