الجمعة - 29 مارس 2024

درس حسيني في الطريق الى العراق

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024


الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي ||

من وحي الحسين عليه السلام (4)

ذكر المؤرخون ان الفرزدق لاقى الامام الحسين عليه السلام في الطريق الواصل بين العراق والحجاز فأخبر الامام بأن الوضع لم يتسق لمسلم بن عقيل بعد سيطرة عبيد الله بن زياد على الكوفة وذكروا ان الفرزدق قال للامام الحسين كلمته المشهورة (قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية) وقد اختلفوا في صحة الرواية او عدم صحتها , وفي كون الرجل الذي لاقى الامام هو الفرزدق او غيره؟ ونوقشت من جهات عدّة لايتسع المقام لذكرها كما اننا لسنا بصدد نقد الروايات التاريخية بقدر الافادة منها في اثارة بعض النكات المهمة في حركة الامام الحسين عليه السلام ومقاربتها بالواقع المعاصر فمما يفاد منها:
1. ان خبر الفرزدق بمقتل مسلم واضطراب الكوفة وانقلابها عليه -على فرض صحته- لم يرعب الامام الحسين عليه السلام ولم يحمله على اعادة حساباته او قراءة اوراقه لاعادة ترتيبها واتخاذ قرارات تتناسب مع المعطيات الجديدة قد تكون العودة الى المدينة احدها لولا ان الامام عليه السلام كان مصمما على الثورة وقيادتها على ارض العراق وخوض المعركة في كربلاء بغض النظر عن النتائج المادية المترتبة عليها انطلاقا من علمه اليقيني بتحقق الامر, كما ان المعلومة التي اتى بها الفرزدق غير خافية على الامام بحكم تجربته مع القوم ومعرفته باساليب الامويين في قهر الشعوب وخداع الافراد وهذا يفيدنا في تفكيك الالقاءات التي تبثها وسائل الاعلام للتاثير على ثبات المؤمنين في مواجهة العدوان ضد المسلمين.
2.لم يذكر المؤرخون ان الامام الحسين عليه السلام دعا الفرزدق لنصرته والعودة معه الى العراق صراحة بل لم يدع غيره سوى تلك البرقية التي ارسلها عند خروجه من الحجاز واختزل فيها المخاطبين وحصرهم ببني هاشم , وقد اوردها المؤرخون بصيغ عدة احدها: (بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي مِنكم إستُشهِد, وَمَن تَخَلّفَ عَنّي لَمْ يَبلغ الفَتْح، والسّلام) بخلاف ماحصل في كربلاء اذا توالت خطابات الامام الحسين بالدعوة لنصرته وبأرق العبارات وأوضحها.
3.لم يكن يجدر بالفرزدق او غيره انتظار دعوة الامام لهم للالتحاق به وكان يفترض بهم ان يبادروا الى بيعة الامام والانضمام له والتسليم بقيادته ولذلك اضاع هؤلاء فرصة ثمينة للوقوف مع الحق والانتصار للفضيلة , وقد كان ثمن هذا التخلف عن الامام وعدم المبادرة لنصرته شهادة الامام الحسين عليه السلام.
الا ان موقف الفرزدق الضعيف هذا قدم درسا للاجيال في ضرورة استحضار الوعي في مثل هذه المشاهد والمبادرة لنصرة الحق وعدم خذلان المقاومة بالاذعان للشبهات التي يلقيها ورثة الامويين وانصارهم اليوم من الامريكان والصهاينة.