الخميس - 28 مارس 2024

من وحي الحسين”ع”(5):الحر الرياحي رسالة عودة الى كل مخطئ

منذ 3 سنوات
الخميس - 28 مارس 2024


الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي ||

… اختلطت عليك الاوراق فانظممت الى جيش عبيد الله بن زياد .
… اقنعك فقهاء السلطة ان الخروج على الحاكم فساد ومخالف للشريعة حتى وان كان الحاكم يزيد بن معاوية فاتخذت موقفا معاديا للحسين لخروجه على امام زمانه.
… قادك الطمع فسقطت في شراك وعود المستكبرين بمنحك بعض المناصب وقليل من المسكوكات فبادرت للقتال الى جانب عمر بن سعد وابي بكر البغدادي وجيش محمد بن سلمان الالكتروني.
… كنت في احد الاحزاب او الجهات السياسية الصالحة لكنها انحرفت عن المنهج المستقيم وسقطت في اغراءات الدنيا.
…كنت صحفيا تتغنى بالليبرالية والعلمانية والحقوق المدنية والديمقراطية الامريكية وتوهمت ان الامريكان يؤمنون بالديمقراطية وصدقت افلامهم التي تروج للامريكي الملتزم بعهوده والوفي بوعوده فتفاجات انهم تركوا عملاءهم من الصحفيين والكتاب يركضون خلف الطائرات الامريكية في مطارات فيتنام وافغانستان دون اكتراث من الطيار والجنود الامريكان الذين انتهت مهمتهم بالفرار.
…اردت ان تكون كاتبا فذهبت لقراءة كتابات سلامة موسى واسماعيل مظهر وحسين مروة وقاسم امين حول التحرر والمساواة والانعتاق من اسر الدين والتقاليد والاعراف فاخذت تردد الصوت نفسه كالببغاء.
… اردت ان تثبت لاقرانك في المدينة والجامعة بانك مثقف فاخذت تسمع وتقرأ خطابات لينين وهتلر وجمال عبد الناصر وصدام حسين فاعتنقت العنصرية والقومية وشتيمة الاخرين فكانت اول شتيمة تعلمتها ان شتمت الفرس المجوس فجاءت قنوات العربية وقناة سكاي نيوز والحرة مسرعة لاحتضانك وسمتك آية الله والخبير الاستراتيجي والمفكر الكبير والمنظّر الخطير فصدقت انك هنري كيسنجر ومحمد حسين هيكل وفرديمان وعبد الباري عطوان وانيس النقاش.
… اقنعك الرفيق الحزبي في محلتكم بالانتماء الى حزب البعث العربي الاشتراكي وقرا لك تضليلات ميشيل عفلق وتمويهات شبلي العيسمي وتهويمات فؤاد الركابي التي لم يفهم هو منها شيئا فظننت انك تفقهت في الجمع بين الوطنية والرسالة الخالدة حتى صرت تهذي وانت تنام وتمشي بقول شاعرهم 🙁 بعث تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولايتهدم).
… حصلت على شهادة الدكتوراه فطاشت بك الاحلام وتوهمت انك غطست الى اعماق بحار المعرفة فاخذت تعبث بالتراث الديني تحت مسمى التجديد في البحث العلمي وانكرت على الحسين خروجه ووصفته بانه خروج لاجل السلطة او لاجل الغنيمة.
… دخلت الى بعض الكليات الاكاديمية او درست المقدمات في الحوزة العلمية وتعلمت بعض المصطلحات فاخذت تباري العلماء وتنتقد الفقهاء وتصدر الفتاوى والاراء دون استحياء.
لكن فجاة وأنت في الطريق الى بيتك سمعت محمد صديق المنشاوي يتلو بخشوع قوله تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} استوقفتك الاية حينما حركت الفطرة المغمورة تحت ركام الخديعة فاسترجعت وخالطك شعور بالرهبة واحساس بالندم بسبب مساراتك المرتبكة الا انك خشيت ايضا من ردود فعل الناس ومقابلتهم لك بعدم قبول عودتك الى دائرة الاحرار , اخذت تبحث في حقيبة معلوماتك وخزين افكارك علاجا من وقائع التاريخ لمثل هذه الحالة فوجدت في مدرسة الامام الحسين عليه السلام مايبرد فؤادك ويثلج صدرك فقد كان الحر الرياحي مثلك غافلا منحرفا عن الطريق ثم وقف وقفة الصحو تلك فتحرك نحو الخلود حينها استقبله الامام الحسين محتضنا اياه ومباركا له عودته الى ضياء الحرية.
ثنائية الحسين والحر تجربة غنية لك ولي وللناس جميعا في امكان العودة من الانحراف لمن زل عن الطريقة ودرسا للناس في تقبلهم الاخر المنحرف وعدم تعييرهم له او تشكيكهم بعودته ومقابلته بعبارات مثل: (لماذا الان, انقضت المصلحة),وغير ذلك من كلمات التثبيط وعبارات التنفير.
يمكنك العودة مع كل ما ارتكبته من أخطاء ومن غفلة وغياب الوعي لانك لم تفعل اخطر مما فعله الحر بن يزيد الرياحي ومع ذلك لم يقابله الامام الحسين بالتوبيخ والتشكيك والتعيير من انه كان في الجيش المعادي والحزب المعادي والولاء المخالف بل قابله بالحفاوة والتشجيع والتبشير.
الغريب ان كثيرا من اتباع اهل البيت لم يستفيدوا من هذه الصورة الايجابية وهذه التجربة الواقعية ولم يطبقوها على الحوادث التي مرت عليهم فتجدهم يغلقون النوافذ والابواب بوجوه العائدين الى رحاب الحق قديما وحديثا.
ومن ذلك مغالاة بعض الشعراء في تشددهم تجاه الحر الرياحي على الرغم مما ورد في مدحه على لسان الامام الحسين وفرح الامام عليه السلام بعودته من صفوف الظلاميين فقال بعض الشعراء عن زيارته:
ألا يا زائرآ بالطفّ قبرآ * به ربحت لزائره التجارهْ.
أشر للحرّ من بُعدٍ وسلمْ * فإن الحرَّ تكفيه الإشارهْ.
وكأنّ الشاعر يقول ان نفسه لاتتقبل هذا الرجل ( الحر) بسبب سابقته واشتراكه مع عمر بن سعد في تهيئة المقدمات لحصار الامام الحسين عليه السلام على الرغم من توبته والتحاقه بالامام الحسين واستشهاده الى جانب امامه عليه السلام وهذه مغالاة وتشدد في غير محله وهو منهج غير صالح للتعاطي مع الاخر التائب والعائد ولذلك رد عليه شاعر اخر بقوله:
زرِ الحرَّ الشهيد ولا تؤخرْ * زيارته على الشهداءِ قدِّمْ
ولا تسمع مقالة أعسميٍّ * (أشر للحر من بعدٍ وسلمْ).
وأنشد آخر:
إذا ما جئت مغنى الطف بادر * لمثوى الحر ويحك بالرواح.
وزر مغنـاه من قرب وأنشد * لنعم الحر حر بني رياح.
مايفيدنا اليوم من هذا الدرس الحسيني ان بعض الادباء والشعراء والمثقفين والمدونين والسياسيين والحزبيين وامثالهم كانوا لسبب او لاخر يقدمون نتاجات فكرية وثقافية ومعلومات استخبارية لجهات تتقاطع مع مناهج الحق وتتضاد سبل السلام , ثم لطف الله بهم بالوعي والبصيرة فعادوا واستبدلوا اقلامهم المدافعة عن اهل الباطل باقلام مجاهدة ومدافعة عن اهل الحق فالاجدر ان نقول لهؤلاء العائدين: هنيئا لكم الخروج من دياجير الظلمات والعودة الى رحاب النور.