الجمعة - 29 مارس 2024

اللا دولة؛ خبث الشعار وسوء نية المقاصد..!

منذ 3 سنوات
الجمعة - 29 مارس 2024

عمار محمد طيب العراقي ||

قبل اكثر من خمسة عشر عاما؛ وقع تحت يدي كتاب بيار كلاستر، والذي يحمل عنوان«مجتمع اللا دولة»..بيار كلاستر هو واحد من أهم الأنثروبولوجيين الفرنسيين، حظيت مقارباته عن السلطة السياسية في المجتمعات البدائية، وعن الاقتصاد الإكفائي، والحرب عند البدائيين، بكثير من الإلتفات من قبل المهتمين بالعلوم السياسية.
في هذا الكتاب درس “كلاستر”؛ المجتمعات السابقة لقيام الدولة؛ ونكتشف الأهمية التأريخية لقيام الدولة في حياة البشرية..حيث تكتسب الدولة أهميتها كناظمة لحياة سكان مجتمع ما، اما كون هذه “الناظمة” لابد منها أو خلافه، فهذا امر يحسمه كون الدولة وسيلة لتنظيم المجتمعات، ومنجز مهم في تطور الحضارة الإنسانية..
في هذا الصدد فإن العراق؛ دولة عمرها يمتد لما يزيد عن عشرة آلاف سنة، معظمها كان يُحكَم فيه من قبل أغراب، لكنه كان “دولة” مكتملة الوصف والأركان، ولم يكن غير ذلك إلا ما ندر.
لم يترك لنا التاريخ نماذج للادولة، سوى في فترات من حكم العباسيين، حينما سيطر المماليك على مقاليد الحكم، وكان رأس الدولة “الخليفة” ينصب في الصباح، وفي المساء يوضع وسط سجادة تلف حوله، ويجلس عدد من الجنود فوقها الى ان يموت..وعشنا قبل عامين أنموذجا آخرا للادولة، حينما شكل رعاع تشرين، الذين كان يدعمهم رافعو شعار الدولة واللا دولة، افواج مكافحة الدوام في المدارس ومؤسسات “الدولة”، وحينما عطلوا الحياة بشكل كامل، واحرقوا دوائر الدولة ومقرات القوى السياسية، الى أن تشكلت دولة تقدسهم ومطيعة لهم، تحت نظر من يرفعون شعار الدولة واللا دولة اليوم!.
بالمقابل وعلى مدى البصر، فإن وقائع العيش في ظل الدولة، تكشف أن الدولة أداة بيد الأقوياء، وأنها وسيلة تعسف دائم بيدهم لقتل الحريات، وإقسار المواطنين على الولاء لهم ولمعتقداتهم، حيث يتحول المواطن الى “تابع” لهم، لذلك لا يصح تقديس الدولة بشكل مطلق، وسنحتاج الى “معارضة” الدولة ومقارعتها، بل ومحاربتها، حينما تتحول “الدولة” الى أداة ثقيلة تعطل حياة المجتمع، وتقيم سلطتها على المواطنين بالقمع والرعب، وتحولهم الى قطيع لا يطيع سواها، حتى طاعة الله ممنوعة لديها..نظام صدام كان أنموذجا لهذه الدولة، التي حاربها رعاياها من الوطنيين والأحرار!
فكرة الدولة باتت من المسلمات والضرورات، وحسب “بيار كلاستر”،” فإن المجتمعات البدائية هي «مجتمعات دون دولة». كان ينقصها شيء هام هو الدولة، لذا فإنها مجتمعات غير تامة، غير مكتملة، فهي تستمر في معاناة التجربة لغياب الدولة وهي تحاول تجاوز هذا الغياب، فالدولة في نهاية المطاف هي قدر أي مجتمع يريد أن يتطور”…العراق كان مجتمعا “تاما” على مر التاريخ..!
لكن بالمقابل فإنه وعلى الرغم من وجود الدولة، فإن المجتمعات تعاني من إضطرابات وعدم إستقرار، بل أن وجود الدولة ذاتها سبب لعدم الأستقرار في حالات كثيرة، ومجتمعنا العراقي مثلا واضحا يصح أن يضرب ويدرس؛ لأن الأمر منوط أساسا بمن يدير الدولة، وبدرجة أقل بمن يتبعها، وبمدى استعداد المجتمع لقبول اغطية الدولة الثقيلة، التي عليها أن تفرض وسائل تسير الحياة العامة، بقوة القانون لا بمنطق القوة.
إن من حق المتحدثين عن مشروع الدولة نشر أطروحتهم، لكن يتعين ان يكونوا قبل ذلك؛ قد فعلوا شيئا مهما على طريق بنائها بناءا رصينا، وأن يكونوا من حماتها إبتداءا لا من هادميها، وأن لا يتحول شعار الدولة والادولة، الى اداة لضرب القوى التي بنت الدولة وحمتها، وأن لا يكون وسيلة إنتخابية، قصدها هدم ما بناه الآخرين كي يبدو قصرها عاليا..
ههههه..مجتمع اللادولة يتحدث عن بناء الدولة..!
شكرا
1/9/2021