الخميس - 18 ابريل 2024

المرجعية وصناعة أمة الحشد

منذ 3 سنوات
الخميس - 18 ابريل 2024


عمار الجادر ||

كان نموذج الحكم الذي ساد العراق والمنطقة، منذ اربعة عشر قرنا وما يزال سائدا، هو نموذج الدولة السلطوية، حيث تتركز السلطة غالبا بيد الفرد الحاكم، أو بايدي “طغمة” تحكم قبضتها بقوة على مقاليد ألأمور..الجاه..الثروة..القوة..ولم يحصل أن شذ عن هذه القاعدة أي حاكم، طيلة الفترة التي تلت إستشهاد الإمام علي بن أبي طالب”ع” ولغاية اليوم..
نعم شهدنا وعلى فترات متباعدة جدا، وربما في غفلة من التاريخ بعض الحكام العادلين، لكنها كانت عدالة افضل السيئين، كما هو الحال مع الحاكم الأموي عمر بن عبد العزيز..
هذا الواقع ترك آثاره المدمرة على الشعوب، التي خضعت دائما للقوة الغالبة القاهرة، وتعين عليها طاعة الحكام حتى وإن فجروا او ظلموا، حتى تحولت هذه الطاعة الى جزء مهم؛ من العقيدة الدينية للشعوب الشرقية ومنها شعبنا، اسس لها وروج بها؛ وعاظ السلطان على مر العصور..
يستند وعاظ السلطان هؤلاء في أفعالهم هذه، على عبارة يستخدمونها دائما للدفاع عن الحاكم الجائر، وهي “طاعة أولي الأمر”، التي فسروها بالإتجاه الذي يخدمهم، وتركوا اولي الأمر الحقيقيين، وجعلوها من مرتكزات الدين وأركان الإيمان.
هذه الثقافة لا تتفق مع بدايات الإسلام وتاريخه؛ ولا مع القرآن الكريم، فقد جاء الإسلام كثورة للمستضعفين ضد الجبابرة المتحكّمين، لكن بسبب هذه الثقافة؛ فقدت الشعوب قدرتها على إنتاج قادة حقيقيين، يقودونها الى شواطيء ألأمان والحياة الحرة الكريمة، ويحركون فيها الروافع الإيجابية؛ لصناعة دور حضاري يليق بها..لكن المحصلة هو الإفتقار الى قادة حقيقيين فاعلين، وكل الذي أستطاع العراقيون إنتاجه، هم “مشاريع قيادة”، هذا إذا تساهلنا كثيرا ولم نقل “اشباه قادة”.
مشكلة غياب القيادة عصفت بالأمة؛ وحولتها الى شعب مرتبك دائما، لا يعرف أين يضع قدمه، ولا يعرف التصرف المناسب، عند حصول الأزمات والكوارث، التي ترتفع في أوقاتها الحاجة الى قادة فاعلين مؤثرين؛ الى أقصى درجات الإحتياج.
نعم كانت هنالك محطات مهمة؛ على طريق مشاريع القيادة، ولكنها تبقى مجرد محطات، إستطاعت أنظمة الحكم الطغموية السلطوية؛ قمعها والقضاء عليها، لكن الأثر التراكمي لتلك المشاريع، بقيت جذوته في ضمير الأمة، وإن كانت جذوة جمر تحت الرماد..!
القيادة ضرورة لا مناص من وجودها لأي شعب، لأنها توحد الجهود وتوجهها نحو تحقيق الأهداف، ولا يخلو اي مجتمع من وجود قيادة أو قائد، ووجود القائد وإمكاناته وقدراته، تحدث فرقا جوهريا فى حياة الجماعة الإنسانية، إذ إن المشكلات التى تواجهها، تفرض حلولا متعددة ومعقدة، والاهتداء إلى أفضل الحلول وأنسبها، ثم إنجازها على أرض الواقع، مسؤولية القائد وليست مسؤولية عامة..
الحقيقة هي أننا كدنا نفقد الأمل، مع إحكام نظام القهر الصدامي قبضته على رقابنا لأربعين عاما، وخيل للكثيرين منا أن هذا هو قدرنا الأبدي، وغنى كثير منا “صدام غالي” بالعربية، و”صدام زيره” بالكوردية، لكن كان فينا نفر لم يفقدوا الأمل، خصوصا وأن إرهاصات القائد بدأت تلوح في ألأفق، مع الصحوة الإسلامية الكبرى، التي أحدثتها الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، والتي ما تزال إرتداداتها بعد أكثر من أربعين عاما، مستمرة في المنطقة على المستويات المعاشة والأستراتيجية.
مع زوال نظام صدام واجهنا وضعا معقدا، زاد من مستويات الإرتباك لدى العراقيين، ولم نعرف رؤوسنا من أقدامنا، فقد بتنا شعب من القادة، وتكاثرت الرؤوس لدينا، وهذا وضع يخدم المحتل ومن تشاطأ معه، وجرت حملات منظمة؛ لإقتلاع اي بذرة قيادة تنمو في حقول العراق، كان الإرهاب الذي هو صناعة أمريكية صهيونية وهابية، أداتها الأكثر نشاطا وفاعلية.
قدم المحتل الأمريكي لنا خدمة جليلة؛ عندما انتج داعش كضد للشعب العراقي، وهو لم يكن يعلم أن في هذا المنتج فائدة عظيمة لنا، فقد برزت من بين صفوفنا القيادة العقائدية، (المرجعية) التي أطلقت فتوى الجهاد الكفائي، لتتلقفها القيادة الجهادية (الشايب)، ويتحول عندها الشعب العراقي، من شعب مرتبك بلا قيادة، الى شعب منظم، هو (أمة الحشد)..!
صحيح أن العدو إستطاع النيل منا بقتل قائدنا، لكن بذرة القيادة موجودة فينا، موجودة في أمة الحشد التي لن تتراجع ابدا، بل وعلى مستوى السوق، فإن خسارة القائد الشايب، تعني أن الأمريكي خسر هنا، وفي غير مكان الى الأبد، وسيتيعن عليه أن يقدم تنازلات كثيرة، تحوله بالنتيجة الى رقم عادي مجرد من الأصفار..!
السؤال الذي يجب ان يبحث الأمريكي عن إجابة له هو، ماذا إذا أطلقت القيادة العقائدية فتوى الجهاد العيني؟! ترى هل يعي أنه سيكون صفرا على الشمال؟!
قدرنا هو أننا سنبني دولة العدل الإلهي، تلك الدولة التي سيكون فيها جميع البشر سعداء، بما فيهم الأمريكان، ولكن القائد العالمي سيكون منا حتما..!
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾