الجمعة - 29 مارس 2024

دور الهندسة السياسية في بناء الدول

منذ سنتين
الجمعة - 29 مارس 2024


محمد كريم الخاقاني *||

بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين وتغير موازين القوى نحو السيطرة الأمريكية وتفردها بقيادة العالم، ظهرت مصطلحات جديدة تتناغم مع هذه المتغيرات، ومن بينها الهندسة السياسية التي تُعنى ببناء الدول ومؤسساتها وطرق إدارتها. وكان من المفيد هنا ان يتم إستعارة مصطلح الهندسة من العلوم الطبيعية الى العلوم الإنسانية، فأصبحت مواضيع حقوق الإنسان والديمقراطية مثار إهتمام المختصين بالشان السياسي، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل امتد ليشمل بناء الدولة وإدارة شؤونها وتطوير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفق الأسس والمعايير المتبعة في المنهجية العلمية بقصد إحداث عملية تحول في الدولة ونقلها من واقعها المتخلف الى واقع متطور  ومتقدم، اي بمعنى تطوير الوسائل والآليات القديمة وبما يتناسب مع متغيرات الأوضاع لتكون اقرب إلى عملية إصلاح شاملة للمؤسسات القائمة.
ويمكن القول بإن الدول تعمل بكل جهودها على الإستفادة من تجارب غيرها وذلك من أجل تحقيق التنمية والإنتقال من دولة متخلفة فاشلة الى دولة متطورة متقدمة ولنا في تجارب اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبيةوغيرها من الدول نماذج ناجحة، وتعتمد الهندسة السياسية على بعض العناصر والعوامل في تحقيق ما تطمح اليه الدول، ومن ابرزها؛ جودة التعليم والإهتمام بالقاعدة الطلابية وصولاً الى اعلى المستويات وحُسن التخطيط والتدبير وإختيار المناسبين لتقلد المناصب اي بمعنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب إعتماداً على مواصفات وإمكانيات كالكفاءة والخبرة فضلاً عن دعم مجالات الإبداع والتطور لتحقيق الأهداف التي تسعى اليها الدول.
ومن هنا يمكننا القول بإن الهندسة السياسية تركز على شؤون إدارة الدولة وذلك من خلال إعادة شاملة لشكل السلطة والمجتمع المكون لها، ومحاولات جدية لبناء المؤسسات الحكومية والخاصة وبما يعود بالنفع على الدولة ككل وإنتقالها من حالة التخلف الى حالة التقدم،وذلك عبر إحداث الإصلاحات على ما هو قائم بالفعل من مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها وبما ينسجم مع متطلبات العصر، وهذا لا يعني بإي شكل من الاشكال إزالة الموجود بل عملية ترميم للمؤسسات وبصورة تدريجية وبطريقة علمية مدروسة وصولاً لتحقيق التغيير المتناغم مع ما تهدف اليه الدولة،ومن ضمن ما تهدف عملية الهندسة السياسية الى تعزيزه هو ما يتعلق بالعمل الحزبي والتنافسية فيما بينها للوصول الى السلطة والتداول السلمي لها عبر تطبيق آلية الإنتخابات والتمثيل النيابي لتلك الأحزاب، فضلاً عن ضمان توافر دستور يصون تلك الحقوق، فهي تضمن تكريس الحالة الديمقراطية ومسببات الأخذ بالحكم الرشيد، والعمل على تفعيل المشاركة لكافة مكونات الشعب فيها.

*اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.